إنني لن أتحدثَ عن النظرية النسبية والإكسيومية للفيزياء النظرية لآينشتاين، ولا النظرية الديكارتية حول العقلانية المعاصرة، ولا النظرية التصورية الخاصة بكانت، ولا نظرية لالاند ذاتِ الأبعادِ الفلسفية والداروينية في التطور وأصلِ الأنواع، ولا غاليلي صاحب القوانين المقدمة للعلاقات السببية (سقوط الأجسام)، ولا عن نظرية حجم السائل المزاح لأرخميدس حين قال (وجدتها وجدتها)، بل سأتحدثُ عن نظرية وجودنا الإنساني وبشكل خاص العربي والمجتمع السوري ضمن العربي، وسنحاولُ معاً الابتعاد عن الواقع التجريبي الذي به يكمن التأخير والتخلف، غايتنا العودة إلى الكروي الإنساني، والخروج من المسطح الاحتكاكي الحامل للأزمات، أي علينا أن نلغيَ التسطيح المراد لنا أن نعيش فيه ونعودَ إلى كوكبنا الحي، فالتجريب (تسطيح) يبتعد كثيراً عن التجربة (الكرة) حيث أن التجربة لها قواعد علمية، أما التجريبُ فهو مخالفٌ للفكر بكونه لا يمتلك فكراً ويستند إلى الاحتمالات اللاعلمية، وعليه تكون النظرياتُ العلمية قد رفضت الخضوع لتحقق التجريبي، وعلينا أيضاً نحن كأجيال أن نرفضَ التجريب ونعتمدَ نظريات المضاف إلى الموجود وتعزيزه أو الإبداع الجديد، فالتجريبُ أسلوبُ تأخير وإعاقة، وفي لحظة انتباه نجد أننا في المؤخرة، وغايتنا من كل هذا هو إبرازُ حضور الصراع من أجلِ البقاءِ لنا جميعاً كمجتمعٍ متفكر، يبحث عن نظرية إثبات وجوده كعربي سوري يمتلك الانتماء والأداء والتكوين أولاً، وثانياً عن حياة أمة عربية، تعيش ضمن أسوأ ظروف اللقاء والحضور ومخاضات التشرذم والفناء، أفرادنا أبناؤنا هائمون باحثون عن التكوين، ومع كل يوم يمر لا نمتلك به نظريةً نطبقها، ونعملُ عليها حثيثاً كي تُظهر وجودَنا ضمن صراع البقاء على كوكبنا الحي يعني التأخر عن الركب واللحاق بالمجتمعات والأمم العالمية ،كما أنه من الواجب علينا أن نتوقفَ ملياً عند نظرية الشمال والجنوب، فجميعنا يتعبُ في عالم الجنوب، يحرثُ الأرض طولاً وعرضاً ويبذرُ الحب ويزرع الفسائل ويرعى النبات والأشجار، والآخرون في مجتمع الشمال يقطفون الثمار، من مبدأ أن جذورَ الشجرة في عالم الجنوب وثمارَها في عالم الشمال، يعيدون إلينا ما يتنازلون عنه لا أكثرَ ولا أقلّ، إن الصوم الفكري كبيرٌ في أوطاننا والإفطار قليلٌ وضئيلٌ ودون أقلِّ من أقل الطموح، عليه نؤسس من هنا بأنه لا يمكننا الفصلُ بين النظرية والتطبيق؛ بكون النظرية حالةً سكونيةً، أي تعيشُ في العقل على شكل الخيالِ والتأمّلِ إن لم تطبق لا فائدةَ منها، والتطبيق لا يكتملُ إن لم يمتلك نتائجَ النظرية يعيشُ به الخللُ والنقصُ الدائم، وما دارسناه أو ندرسُه عبر مراحل انتقالنا المدرسية إلى وصولنا إلى التخصصِ الجامعي والدراساتِ العليا وامتلاكِنا أعلى الشهادات، يجب ألاّ يبعدَنا عن قناعاتِ حقيقة ارتباطِ النظريةِ بالتطبيق، وعلاقةِ هذه الثنائيةِ مع الواقع بتفاصيله المعقدة والتي بدونها لا فهمَ للواقع، حيث أن علاقة النظريةِ في التطبيق تمنحنا الأدواتِ الجيدةِ والجديدةِ لفهم الواقع أكثر وبصورة أوضح، كما أنها تظهرُ كمساعدٍ فعالٍ من أجلِ التعاملِ معه، أي مع الواقع بالصور العلمية المجدية، التي تقللُ من احتمالات الفشل وتزيدُ عناصرَ النجاح، فبعد تملكك لجوهر النظرية في كل تفرعاتها تمنحك فرصَ استنباط قيادة حياتك الفردية والاجتماعية، ومن ثمَّ العمل بشكل جدي ومتقن يؤمن لك وسيلة عيش لائقة، كما أنها أيضاً تعطيك فرصاً للدخول إلى عالم الاجتماع الحامل للسياسات المستخدمة وعبر كل المحاور: اقتصادية واجتماعية فردية وأسروية ومجتمعية، وتهيئ لك من خلال التعمق في التخصص لمفاهيم النظرية ومتطلباتها مساحاتٍ عقلية كبيرة، فيها المقدرةُ على التأمل من أجل إيجاد الحلول للأزمات الفردية التي تخصّك، والاجتماعية والتكوينية التي تفيد المحيط، كما أن المنطقَ الذي يعتمد على النظرية العلمية والمدعَّم بالدلائل والبراهين يأتي بعد امتلاكِك للنظرية الاجتماعية، والتي ستكون مسار بحثنا هذا، فالباحث الذي يعمل على نظرية السلوك من أجل تحسين الأداء يجب أن يهيئَ لها عناصرها: العلم – المكان- والأدوات ولا تحضرُ هذه إلا بعد أن يكونَ قد فهم نظرية التكوين وفلسفته الفكرية، عليه يكون البحثُ في نظرية التكوين أي الحالة الاجتماعية التي تبني الفكر وتأخذُ بعناصر النظرية إلى التطبيق لا تفصل بينهما، بل تجمعهما من خلال الإيمان بأن كلَّ ثنائية تنجبُ قادماً جديداً .
البحث في هكذا عنوان على أهميته، يدعونا لتأسيس الحوار المنطقي الذي يلغي التوترات القادمة من الجدل العقيم، طارحاً بوجوده وحدةَ صورةِ الفلسفة وجوهرِها العلمي، وقصدنا بذلك هو فتحُ انغلاقها على ذاتها وإخراجها من عزلتها الكامنة في أجواء الظلمة العقلية، ومنعُ فنائها حيث الإرادة الإنسانية، والتي تخصَّصَ بها الإنسان العاقل يخرجها إلى النور من أجل حدوث التفاعل، من ذلك نهيئُ المدخلَ المعرفيَّ لهذا العنوان الجدلي، والذي شغل الفكر الإنساني عبر كامل العصور التي امتلكت التنوعات البشرية الكثيرة، وبها وجدت الحضاراتُ المعبّرةُ عن اختلاف الثقافات القادمة من نظرية اختلاف الألوان البشرية، وإشارة إلى ظهور التنوع في الجوهر العقلي على شكل درجات الاستثمار، مع الحفاظ على الشكل الإنساني الواحد على كامل وجه الأرض، فماذا يعني لنا هذا ؟.
نتوقف بغاية الإشارة إلى معنى النظرية التي تحولت إلى مفهوم، يَظهرُ من خلال رأي فردي يتبناه أفراد يحيطون به، إذا امتلك في جوهره قضية جديدة أو مسألة ما تخضع لشروط الإبهار والإقناع، وقابلةً للتحقيق بامتلاكها للبرهان، الذي يمكّننا من تحويله إلى تطبيق عملي، ما لم يكن لأيٍّ كان أن يعرفه إلاّ بعد ظهوره كنظرية قابلةٍ للتطبيق .
من هنا أتوجه قائلاً : إن النظرية قادمة من النظر المتجول في المحيط المرتبط مع العقل، وبشكل أدق قادماً منه ليعود عليه كمنبهٍ لوجود حالة اختلافٍ مع ما يحمله العقل، ويحدث الاختلاف الذي وجّه إليه النظر الجديد وباعثاً فيه روح التبصر، والذي نسميه التأمل، ليعيد ترتيب الأشياء مقسماً إياها إلى طلبات تبحث في الاستجابة لها بغاية الوصول إلى النتائج التي نطلق عليها البراهين، فتكون بذلك النظرية في علم اللغة أنثى، والنظر أيضاً في علم اللغة ذكر، وعليه النظرُ تأملي يعيش ضمن بناء النظرية الحاملةِ للفرضِ والاستنتاج، الذي يتولد عنه أسئلة إشكالية تتقارب مع محاورها وترتبُ طلباتها على شكل ماذا نريد من النظرية والتي لا تتحول ضمن علاقة الذكر والأنثى إلى إنجاب إلا بعد تطبيقها، إن التدقيق في نظرية الثنائيات ينجز لنا أبعاداً لا متناهية من التأمل والتفكر والتعلم، فالسماء زائد الأرض أنجبت إنساناً، واحد زائد واحد يساوي اثنين، وذرتا الهيدروجين والأكسجين تساوي ماء، والسمعُ والنظر ينجبان للعقل العلم والمعرفة ومنهما تظهر الحكمة، وحينما نستعين قانون نيوتن الأول للحركة في علم الفيزياء نرى أنه إذا كان مجموعُ كاملِ القوى التي تؤثر على جسم ما صفراً، فإن الجسم سوف يظل ساكناً، وإن أي جسمٍ متحركٍ سيبقى على حركته بسرعة ثابتة ،في حال عدم وجود أيّ قوى تؤثر عليه، مثل قوى الاحتكاك، أيْ في حالة ( انعدام الجاذبية ) منه تكون القوة المقاسة بنيوتن على السطح وحدتها المتر المربع تساوي الضغط ووحدته باسكال، لماذا أخذتُ هذا المثل الفيزيائي لأن عقلنا إن كان في حالة صوم فكري ولم يمتلكِ التأمّلَ والتفكر فإنه لن يمتلك العلم والتطور، وسيبقى في حالة سكون وإذا سار بدونهما فسيبقى متحركاً دون فاعلية ودون وجهة بكونه لا يتعرض للاحتكاك والتبادل المعرفي للحياة والمحيط الإنساني وبذلك لن يتطور، إن استعراضي لهذا الأمر وبهذه العجالة فيما أعتقد بغاية تشكيل النبضة المحرضة ليعود العقل إلى التأمل والتفكر والقلب إلى الخفقان بحب امتلاك التطوير.
إنني أؤكد أن النظرية ككلمة سجلت في القواميس كمصطلح عنى ظاهرها بكونها قادمة من النظر المتأمّل، ليكون بذلك المولّد الرئيس للبناء الفكري الذي يُوَلد من مجموع النظر ولادة النظرية على اختلاف أشكالها: فلسفية اجتماعية علمية بعد مرورها بمخاضات التجربة، وتجمعها كأسس منطقية أقرّها العقل وقدم من خلالها البراهين عليها، بعد أن قام بتطبيقها عمليا،ً فوجد بها ناتجاً مهماً مختلفاً عمّا أنتجه الآخرون، وفي ذات الوقت اقتنع المحيط بأنها قادم جديد، يفيد الحياة ويغنيها بكامل تنوعاتها، نتساءل عن علاقة النظرية والتطبيق بالواقع وذوبانها فيه، وعن استمرارها وحياتها في المستقبل، وهل في استطاعتنا اعتبار النظرية حالة إبداعية يظهر منها الاختراق، ويحمل صاحبها التفوق والتمايز، أم أنها قادمة من التجربة التي تحمل المحاولات التي نبني معها المداميك الأساسية لبناء النظرية بعد المرور بالتجربة الحاملة للإخفاقات، والنجاح والصدق والكذب والفرز بين أن تكون تقليدية هامشية، أم أنها تطويرية عالية المستوى، تسحب الواقع إليها ليظهر بصورة التطور المنعكس على الحياة الإنسانية، أيضاً، يتولد لدينا سؤال عن المعايير الأساسية التي تقيّم حال ظهور النظرية، وآلية التوافق التي تحقق انجذاب الواقع إليها من أجل الانتقال إلى المستقبل وحياتها فيه.
هنا أتوقف قليلاً، أبحر في كمّ النظريات التاريخية الموغلة في القدم التي أنجزت كامل تلك الحضارات المنجذبين إليها من زمننا الحاضر والأزمان القادمة، كما أنني أيضاً أشير إلى ما قدمته النظريات الحديثة القريبة جداً منّا، والتي هيأت المناخات لحدوث عزم التسارع المادي، وآليات استثمار موجودات من خلال الثورات الفكرية التي نتج عنها الثورة الصناعية الكبرى؛ تلك التي نعيش اليوم مما قدمته نظرياتها خلال عصر النهضة، عليه أسألكم بأي عقل نعيش الآن، هل نعيش بالعقل القديم والذي توقف عند تلك الحضارات الهائلة، ونحن اكتفينا بالإبهار القادم منها ولم نستطع أن نقدم لتلك الحضارات أي فعل جديد، أم نعيش عقل الحداثة المستند إلى النظريات المنتهية مع قدوم الثورة الصناعية التي أوجدت كل شيء، أين نحن الآن من نظريات الماضي والنظريات المعاصرة، ما هو المطلوب منا نحن كأمة مولدة للأجيال، أين هي نظرياتنا؟ نتبادل معاً الحوار، وما قدمته هو نظرة إلى الوراء والحاضر من أجل أن نعي أين نحن وماذا نريد من الأمام، هل سرنا على محور العلم التجريبي، وهل حوّلنا الخيال إلى واقع، وهل أزحنا من فكرنا المستحيل بكون لا مستحيل في الآلية العقلية، أين هي إبداعاتنا ونظرياتنا كي نحضر أمام تلك النظريات التي أطبقت علينا كواقع واكتفينا بالانجذاب إليها، هل نحن منغلقون لا نمتلك النظر المسؤول من التأمل الذي يولد النظرية ونمتلك بها العلم كي نتجه إلى التطبيق فنعمل لها مخلصين، ترتفع في سمائنا نتطلع إليها صعوداً فنظهر بأننا مطورون ومتطورون .
إن جوهر قصدي في بحثي عن النظرية والتطبيق، هو الإنسان الذي تكمن به كامل النظريات، وأنه نظرية الحياة الكبرى، أوجدته ثنائية السماء والأرض، فكانت نتاج هذه العلاقة التصورية، والتي حملت في مضامينها نظرية الوجود، فكانت النتيجة إنسان حياتها، يعود إليها ببصره ضمن آلية النظر ليكتشف نظرياتها وقوانينها، بكون الطبيعة أخفت عن سلوكياتها وجعلت منه باحثاً في ظواهرها من أجل اكتشاف ما أخفته وخبأته عنه، وإنني أكوّن أسئلة نتداولها جميعنا وعلى مدار الساعة، كما نحن الآن عليه، ومنها كيف تنظر إلى الأمور؟ وما هي وجهة نظرك؟ وانظر في هذا الموضوع؟ وما هي نظرتك إلى الواقع؟ وكيف تنظر إلى المستقبل؟.
لننظر إلى أن حالة النظر تبحث عن العقل كي تكونه، أي تقف أمامه تماماً كي تتحد معه، مظهرة من خلال هذا الاتحاد نظرية مفيدة عاشت كامل الاحتمالات والتجارب، وحملت البرهان من النظر والتطبيق ليكتب لها النجاح، وإن لم يلتق النظر مع العقل يحدث الفصل، وهنا نستطيع أن نقول: إن هذا الإنسان نظري لا يستطيع التطبيق يعيش في الوهم والخيال، وإنه لم يمتلك النظرية بقواعدها العملية، فيظهر عمله مشوهاً أو تقليدياً لا علم فيه، عليه نؤسس قائلين: إن النظرية هي نظام له قواعد تسلسلية: أولها التأمل، ثانيها التفكّر، وثالثها العلم وأخيراً العمل.
إن طلب نظرية العلم التخصصي بعد امتلاك قواعدها هو الذي يظهر تكويناً جديداً يحمل الأداء الراقي يؤسس إلى تطوير علمي يتفرد ويشار إليه على أنه تخصص به إبداع، قائم بحد ذاته فاعلٌ على تطوير الحياة العلمية وامتلاك العمل بعد امتلاك العلم التخصصي، حيث يشكل الظهور الإنساني الحامل لأسباب وجود الإنسان الذي تكمن به النظريات وتظهره كنظرية حياتية فاعله فيها، حقيقتها أسباب وجوده كإنسان ناظر في النظر الطالب للعلم، وغايته إظهار العلم وتطبيقه وتحويل العلم التطبيقي الذي أنهى الاحتمالات، وتحول إلى واقع، منهياً أيضاً كل أشكال الظواهر، مدعماً أن التجربة التي تنتج المحصلة النهائية تحمل تثبيت صدق النظرية أو رفضها.
بعد هذا التداخل الذي قمنا به من أجل أن نصل لتعريف النظرية؛ القادمة من وصف الأساسيات الظاهرة الحاملة في جوهرها لحقيقة وجود حقائق علمية داعمة لها، يغدو تعريفها بأنها:" البناء المحكم المنظور من الظواهر الطبيعية أو الاجتماعية والمستنبط منه الدليل بعد القيام بالتجارب عليه وتدوين أسسها ونتائجها وشعور المحيط بأنها فائدة، أي يتقبلها ولم يتقدم أحد بالاعتراض عليها أو نقدها"، وكل نتيجة تحوّل الظاهر أو النبوءة على الأرض كانت أم في المحيط الكوني وتحولت إلى حقيقة، هي نظرية، وكما تحدثت في البدء: إن الإنسان هو نظرية الحياة الكبرى وإلى الإنسان (نحن) أتوجه الآن.
الإنسان كائن نظري اختلف عن مجموع المخلوقات الممتلكة للنظر بالعقل الذي يمثل بيانياً الذاكرة الكونية، والتي منها أنجز الذاكرة الحاسوبية، وامتلك حاسة النظر والتي هي في حقيقة أمرها أداة البصر والتبصر، وأيضاً معه الإحساس البصري القادم من القلب، ويعيش فيه من المعلومة المقدسة (اعلم أن الفؤاد يرى) لذلك قلت: إن في الإنسان تكمن النظرية الكونية أي القدرة النظرية المضاعفة - إن امتلكناها- ، وأقصد بها نظرية التأمّل المنجبة حقيقة للوحي (الفتح العلمي)، وهي قائمة على علاقة المتأمِّل والمتأمَّل به والمساحة المنظورة بينهما، والقادمة من النظر الذي يؤدي إلى النظرية التي هي محور هدفنا، وغايتنا البحث فيها بكونها تحوي كافة النظريات الروحية والعلمية الهندسية والرياضية والحاسوبية والمعرفية، وأيضاً بها النظرية الاجتماعية الكاملة وبعدها، بكونه كائناً متكوناً وجب عليه التكوين والبناء والتطلع إلى الأعلى عبر مسيره الحقيقي إلى الأمام كي يحقق الارتقاء، وبدون البحث في النظرية الكونية، والتي هي الوجود الإنساني من أجل التحكم في الموجود لم يكن للحياة معنى، ولا يمكن لنا معرفة مصير الوجود، ما معنى أن نتحدث في هذا وأن أخاطبكم بألاّ ننحصر في دائرة العلوم الدينية والمعاني اللفظية، وألاّ نتأطر أيضاً في نظرية المعرفة الاستهلاكية المرتبطة في حدود نظرية الفكر اللغوي، أو نظرية الفكر الإيماني، أو ما يسود الآن في المجتمع العربي من نظرية الفكر التخيلي لا نظرية الفكر التأملي، وإن نظرية العلوم النظرية تبقى نظرية دون نجاح ما لم تدخل عالم التطبيق. وفي عودٍ على بدء والبحث في عنوان بحثنا هذا النظرية والتطبيق من القصد وإلامَ نهدف من هذه العلاقة وهل احتجنا كل هذا الحوار للدخول إلى ما نريد أن نصل إليه؟.
أجل، بعد البديهي والذي يكمن به مجموع صعوبات التأسيس، يحضر الضروري على شكل المضاف إليه، والذي يعتبر متمماً بدونه لا اكتمال لنظرية البناء والتكوين، كما أن اعتبار أن البديهي سهل هو الخطيئة الكبرى، ومن نظرة إلى نظرية مجتمعنا العربي نسأل: أين نحن من النظرية الكونية، ما مدى فهمنا للنظرية الإنسانية، والتي هي محور حديثنا، ولننطلق من إنساننا السوري الحاضر الآن، والذي نحن جزء منه؟ بديهي أن يتعلم الإنسان الأسس الدرسية التي تنقله رويداً رويداً من صف إلى آخر وتسمو به بغاية تحقيق الأحلام، والوصول إلى الآمال والطموحات التي قد لا ينتبه لها تطبيقياًَ مع فهمه الكامل لما تحمله نظرياً، فإن لم يجتمع النظري مع التطبيق كانت الحياة الإنسانية منفصلة، أي مبتعدة عن أسس الارتقاء التي تحضر من فهم النظري وتطبيقه، قد يسأل البعض: أن حتمية الانفصال بينهما حاصلة؛ بحكم ظروف الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعلمي؟ هذا صحيح في إجابتي التي أستمر بها قائلاً: أدعوكم جميعاً بكوننا مكون هذه الجغرافية المحددة عربياً وسورياً إلى الاعتماد على نظرية التخصص الجزئي، والابتعاد عن التخصص الشمولي الذي لا يؤدي إلى إيجاد أي عنصر من عناصر النجاح، بكونه لا يمتلك الإتقان إن أردنا الحضور ورفع الشأن وإبراز الشخصية العربية والسورية بشكل محدد، بكون الأمة العربية تعيش مخاضات الولادة منذ مئات السنين، وأعني بالتخصص الجزئي: أن نمتلك علم التخصص في شيء ونتعمق به ونزيد مهاراتنا بفهمنا له، ونؤكد على امتلاكه بقوة العلم وقدرة طاقة العمل، وذلك يؤدي إلى فهم الجزئية والإبداع بها عبر إتقانها أولاً، وبشكل ملفت للنظر، ومن ثم إسكانها العقل الذي يملّ من تصورها حيث غدت به بديهيه تبدأ بتطويرها من خلال سكناها في عقله .
ونحن نسير بجانب بعضنا نتجه إلى تلخيص جملة الأفكار التي استعرضناها معاً حول النظرية والتطبيق، أرى من المهم أن نبدأ من عود على بدء، وأقصد التمحيص والتدقيق لمعرفة تحديد المسارات، وإحداث السؤال الكبير الصغير: (أنا) ماذا أريد ممّا أدرس، حينما أصل إلى حيث أنا، أي في مرحلتي الجامعية وبعد أن أتخرج، كيف سأعمل مع أنا، وهل سأدرك بأنني أنا بمفردي قليل ومعك أصبح أكثر، ومعاً سنغدو أقوى!، من هنا أوثِّق أن النظرية الاجتماعية فعلٌ: علم وعمل، تنجب للحياة أسباب وجودنا، وبالتأكيد إنه استمرارنا، ومع احترامي وتقديري لفكر كل واحد منا ولفعل أيٍّ منا بكون كل واحد منا له نظريته في العيش والحركة والتفكر؛ ولكن في الاستناد إلى آلية التبادل نجد أننا نستطيع أن نبني مجتمعاً جماعياً خلاقاً له صيغة التكوين وسعيه للارتقاء وإثبات الحضور بين الحضور العالمي.
إن جلّ اهتمامي هو إنساننا، أنتم الذي ينبغي أن يتجه إلى إيجاد الحلول المنطقية، لتحريك الفكر من خلال إدارة ما يمتلكه من علم ومعرفة وفهم، فهذا الجمع الكمي الساكن في العقل إن لم يكن به لمع وتوجه لبناء حياته وتكوينه الاجتماعي الذي بدونه لن يستطيع العيش، علينا أن نجبره للتحرك وأن لا يبقى نظرياً ننظر إليه دون تطبيق، وإذا تم ذلك كان هنالك إنجازات وإفطار من صوم لا نرضى عنه كثيراً ولا قليلاً، أنتم الآن تمثلون بيانياً المنحنى الصاعد إلى الأعلى، تفكروا في بنائكم الفكري الذي يحتضنه عقلكم كي يساعدكم في بناء مجتمعاتكم، ومع إيماني أنكم وأينما وجدتم تحملون الانتماء في وجدانكم إلاّ أنه وفي الاعتراف حلمكم الذي يخصُّ كل واحد منكم .
أفسحوا لعقولكم الطرق لتستوعب ماذا تريدون، ماذا ترون، ما هي آمالكم، وبماذا تحلمون، لا يوجد مستحيل طالما أنتم مصممون- بعد امتلاككم للعلم القادم من التفكر والتأمل- على البناء واستمرار البناء، وأن يكون البناء سليماً ومتيناً، دعونا نفتخر بكم نطالبكم بالاجتهاد والعمل، وربط النظرية بالتطبيق، نصفق لكم حينما نرى النتائج إيجابية.
المصدر : الباحثون العدد 44 شباط 2011
عدد القراءات :
7729
Kristanna
It\'s much easier to undrsetand when you put it that way!
It's much easier to undrsetand when you put it that way!