ذكّرنا الزلزال الذي ضرب هايتي في كانون الثاني 2010 مرة أخرى، وبعنف، أن الأرض التي نعيش عليها ليست ساكنة. إنها تتشكل من تركيبة صفائح تتصادم، وتتراكب، أو تتباعد، فتجعل الأرض مضطربة عبر تحركات مستمرة.
هاجت الأرض. أخذت الأشجار تتحرك في الاتجاهات كلها. انهارت جدران، وبدأت شبكات قنوات مهدمة تقذف الماء، وانقلب أثاث، وانطلقت سحب غبار في الجو. خلال خمس وأربعين ثانية فقط، ذلك اليوم 12 كانون الثاني 2010، في هايتي، حكمت هزة أرضية على نحو 222000 شخص بالموت ودمرت مئات آلاف المنازل. بعد ذلك بأكثر من عام، بقيت العاصمة، " بورت أو برنس"، تحت الأنقاض، وازدادت حصيلة الضحايا، وصار أكثر من 800000 شخص بلا مأوى. ضرب هذا الزلزال واحدة من المناطق الأكثر فقراً في الكرة الأرضية. وقد تشهد جزر الأنتيل الفرنسية مأساة شبيهة بمأساة هايتي. ذلك أن الأرض التي نعيش عليها، ونبني فيها، رغم مظاهرها المستقرة، لا تتوقف عن التحرك، وتعْبرها كل عام مئات آلاف الزلازل، معظمها لا يحس البشر به. لماذا؟ لأن الغلاف الصخري lithosphère، هذه القشرة السطحية، القاسية وسريعة التكسر، التي تغطي الكرة الأرضية، مجزأة إلى اثنتي عشرة صفيحة رئيسية – ومئات الصفائح الثانوية - تتحرك باستمرار على طبقة سفلية أكثر رخاوة، غلاف الانسياب asthénosphère. تتباعد الصفائح (نتحدث عن تباعد)، بتأثير حركات غلاف الانسياب، أو تتقارب، فتغوص حينئذ إحداها تحت الأخرى. هذا إذا لم تنزلق إحداها نحو الأخرى.
ثلاثة سيناريوهات
تُحْدث هذه الأوضاع الثلاثة هزات مختلفة. وهكذا، عندما تتباعد صفيحتان إحداها عن الأخرى، تتصدع الأرض في مكان التباعد، الذي تتسرب إليه الصهارة magma، فتهتز على السطح، مما يجعل هذه الزلازل التصدعية المسماة "عادية" مدمِّرة جداً، كزلزال "أكيلا" في إيطاليا عام 2009، الذي أدى إلى انهيار آلاف المنازل، ومقتل 300 شخص. وعندما تتقارب صفيحتان، يتجلى التقاؤهما على شكل اندساس subduction: تغوص الصفيحة الأثقل تحت الصفيحة الأخف، وترفعها. يتعلق الأمر هنا بصدع عكسي faille inverse. يتكسر الالتحام بين الصفيحتين. منذئذ، تتعلق شدة الأضرار بعمق الكسر، الذي يتراوح في أغلب الأحيان بين 20 و70 كم. في هايتي، تقابلت الصفيحتان الضالعتان وفق سيناريو ثالث: انزلقت إحداهما نحو الأخرى فجأةً، صفيحة الكاريبي باتجاه الشرق، والصفيحة الأمريكية الشمالية، التي اصطدمت بها، باتجاه الغرب. نتحدث عندئذ عن صدع تحويلي faille transformante. لا يحدث هذا الانزلاق دون تصادمات: تتمزق حدود الصفائح، حرفياً. وتَحْدث كسور على السطح، مع نتائج مأساوية.
مخاطر معروفة
ذلك عملياً لأن الكسر هو الذي يسبب الزلزال في كل مرة. يَحدث الكسر بمنطقة تكون قد تراكمت فيها، بنتيجة الحركة القارية لصفيحتين متضادتين، إجهاداتٌ (قوى ضغط) قوية تشوِّه الحدودَ بين هاتين الصفيحتين. في الواقع، قدرة القشرة الأرضية على امتصاص التشوهات محدودة. وكما هو الحال عندما نضغط على طرفي نابض قبل أن نرخيه، تنطلق الطاقة المحتبَسة خلال الضغط فجأةً، على شكل تشوهات، تنتشر على نحو أقرب فأقرب، في اتجاهات الأرض كلها، في موجات زلزالية (سيزمية) sismiques: تكون الهزات أقوى في مصدر الزلزال، غير أنها تتسجَّل على سطح الأرض كله. ومن المؤكد أن المركز السطحي للزلزال épicentre، أي عمودياً فوق الكسر، هو السطح الأكثر تحركاً. في " هايتي"، كان هذا المركز السطحي يقع على مسافة 25 كم فقط عن العاصمة "بورت أو برانس". أما الكسر، فلم يكن إلا على عمق عشرة كيلومترات تقريباً تحت السطح.
فضلاً عن بعد الزلزال وعمقه، هنالك معْلمة أخرى تحدد قوة الهزات: طول الصدع المتحرك. كلما كان الصدع المعني أطول، تغدو الهزات أقوى. في "هايتي"، انشق الصدع بطول 50 كم تقريباً. كان قد راكمَ إجهاداتٍ منذ أكثر من 200 سنة: حدث آخر زلزال ضخم في بورت أو برانس عام 1770. وازدادت الأضرار عشرة أضعاف بنتيجة كثافة المنطقة السكانية (كان يعيش في بورت أو برانس 4 ملايين شخص) وعمليات البناء العشوائية.
مع ذلك، كان الخطر معروفاً. في الواقع، من المؤكد إنه حيثما كان زلزال قد ضرب، سيضرب مرة أخرى. كلما كانت الفترة الخالية من الزلازل طويلة، تصبح المخاطر أكبر، وفقاً لما كان قد نبّه إليه الجيولوجي الهايتي "كلود بريبتي" Claude Prépetit. "تتراكم الطاقة المرنة ببطء شديد في الأرض إلى درجة أن كثيراً من الأجيال من الرجال والنساء يحدث لهم أن يجهلوا النشاطات الزلزالية التي وقعت في الماضي"، يشير "المختبر الوطني للبناء والأشغال العامة" في هايتي في تقرير نشره عام 2006. الحركة المتبادلة للصفائح على هذه الجزيرة هي بحدود 7 مم سنوياً. هذه الحركة توقفها الحدود بين هذه الصفائح. إذاً، تتراكم الطاقة هنا، سنة بعد أخرى، حتى تصل إلى نقطة التصدع القاتلة.
إن كان قد أعيد بناء بورت أو برانس في المكان نفسه، فإنها ستدمَّر مرة أخرى خلال عشر سنوات، أو خمسين أو مئة سنة، من يدري؟. في الواقع، يسعى علماء الزلازل منذ عقود من الزمن إلى فك رموز قوانين عودة الزلازل. إنهم يشتبهون بشكل من الانتظام في عودتها، ولكن دون أن يتمكنوا من حل اللغز.
" كان من المعتقد، حتى هذه الأوقات الأخيرة، أن الزلازل تتبع دورات من طورين: طور بين زلزالي intersismique لا يحدث فيه شيء مهم، وتتراكم خلاله الإجهادات، وانطلاقٌ مفاجئ للطاقة على شكل هزة أرضية. إلا أن هذا الانتظام في الدورات لم يثبَت من قبل قط"، تشرح "آنا سوكيه" Anne Socket، من معهد "فيزياء الأرض" في باريس.
ذلك لسبب بديهي: من الممكن أن يعاد النظر بالسيناريو كاملاً. في الواقع، جاء الشك من اليابان، البلد الذي صدمته الهزة الأرضية التي حدثت في "كوبه" عام 1996. تسبب هذا الزلزال، الذي لم يكن متوقعاً، بوفاة 5500 شخص في "اليابان" كانت تعتقد أنها بمنأى عن كل كارثة زلزالية واسعة النطاق، بنتيجة تقاناتها. دُمرت آلاف الأبنية، وقدرت الأضرار التي خلفها الزلزال بـ 100 مليار دولار. دفعت هذه المأساة الحكومة إلى التوجيه بنصب أجهزة (مراسم زلازل sismographes ومقاييس تسارع accéléromètres) بأعداد كبيرة. وأخذت شبكةٌ من عدة مئات من الكاشفات الموضوعة في قيعان حُفرٍ يزيد عمقها على 100م بتسجيل اهتزازات جيولوجية، هنا حيث لا تتأثر بأصوات السطح (مرور شاحنات، أشغال، دحرجات أحجار في شلال...).
من خلال دراسة هذه المعطيات، خرج البروفسور "كازوشيج أوبارا" Kazushige Obara، من جامعة طوكيو، باكتشاف مدهش. لاحظ، بمستوى الصدوع المزودة بأجهزة كشف، أن الأرض تهتز بانتظام، على نحو لا نحس به. ترافق هذه الحركاتُ التشوهَ بشكل هادئ، كزلزال، ولكن لا تُحدث سوى هدير خفيض التردد جداً، دون الترددات العالية المدمرة. يمكنها أن تستمر على مدى عدة أسابيع، وأشهر، إن لم يكن أكثر من عام. ولكن يمكن للطاقة المنطلقة بمقدار صغير، في غضون بضعة أشهر، أن تكون معادلة لطاقة زلزال كبير. "إنه اكتشاف مفاجئ، لم نكن نتوقعه أبداً"، يعترف "ميشيل كامبيو" Michel Campillo، من جامعة " جوزيف – فورييه " في غرونوبل بفرنسا.
معطيات جديدة
اهتم علماء الزلازل في العالم كله بالمسألة، محيَّرين، وحشدوا في سبيل ذلك التطورات المنجزة كلها، خلال بضع سنوات، ضمن قدرات تسجيل لمعطيات رقمية. في الواقع، قبل بدايات هذا القرن، لم يحتفَظ بتسجيلات الحركات الزلزالية بتمامها، بهدف الاقتصاد في الذاكرة المعلوماتية. كانت الخوارزمية تتكفل بإجراء الفرز، فلا تحتفظ إلا بما كان يحدث قبل الزلزال بقليل وبعده بقليل. ولكن، منذ بضع سنوات، أتاح ازدياد سعة الذاكرات المعلوماتية حفظ كل شيء. أما فيما كان ينظر إليه على إنه أصوات خلفية لا أهمية لها، فإن علماء الزلازل اليوم يرون فيها ظهور آثار تشوهات هامة، ولكن بطيئة جداً في الصدوع.
ترصَد الأرض، بالنتيجة، بانتباه بالغ. ذلك من خلال محطات نظام تحديد المواقع العالمي GPS، التي تسجل حركات الصدوع دون انقطاع، وأيضاً بواسطة مقاييس الميل inclinomètres، المنصوبة في الأعماق لتسجيل هذه التحركات بدقة أكبر بكثير. ويثبت هذا العدد الكبير من اللاقطات الآن أن الظاهرة عامة. وهكذا، فقد اكتُشف في نهاية 2010 أن زلزالاً ينتشر كل خمسة عشر شهراً من شبه الجزيرة الأولمبية في واشنطن باتجاه جزيرة فانكوفر في كندا. ويمر، بقوة 6,5، تحت أقدام 2 مليون شخص. مع ذلك، كان يمر حتى هذا الحين دون أن يحس به أحد أبداً....
" إنها لحظة مشوِّقة. أعيدَ النظر بطريقة فهمنا للزلازل كلها. أدركنا، على الأقل في مناطق الاندساس، أن الزلازل لا تمثل سوى جزء من تراخي الإجهادات الصدعية"، يقول "ميشيل كامبيو" متحمساً.
ومثلما لا تأتي المفاجأة بمفردها أبداً، فقد كشف البروفسور "كازوشيج أوبارا"، بعد أن تفحص المعطيات المجمّعة بدقة، عن وجود حالات هدير غريب. يمكن لهذه "الارتجافات"، غير المسموعة بدون أجهزة، أن تكون شاهداً على وجود نمط آخر من الحركات المجهولة بعد في الصدوع. هذا إلا إذا كانت تكشف عن جريان ماء بين الصفائح عندما تتجفف صخور الصفيحة الغائصة. في الوقت الحاضر، لا معلومات أبداً حول هذا الموضوع. إلا أن العلماء مقتنعون بأن الارتجافات تساهم، هي أيضاً، في النشاط الزلزالي غير الملحوظ.
يبدو سلوك الصدوع اليوم إذاً أعقد بكثير مما كان يتصوره علماء الزلازل منذ عشر سنوات فقط. أي دور تؤديه التشوهات البطيئة التي تكاد لا تدرَك، المكتشفة مؤخراً، في الدورة الزلزالية؟ هل تعمل كصمامات يمكن أن تبطئ، عند ارتخاء الإجهادات، ظهورَ الزلازل التقليدية؟ أم أنها، على العكس، تساهم في تراكم الإجهادات في مناطق لا يمكن للصدوع أن تتحرك إلا بالتحطم فجأةً، بسبب سطح أقل "انزلاقية ً"؟. للحصول على إجابة على هذه الأسئلة الجوهرية، يتوجب انتظار أن تعطي عمليات رصد الصدوع المزودة حديثاً بالأجهزة أفقاً أوسع لهذه الظواهر كلها. ذلك خلال بضع عشرات من السنوات القادمة....
عبارات اصطلاحية
طاقة الزلزال الإجمالية magnitude: تقوم على قياس الطاقة التي يطلقها الزلزال من مصْدره. وتقدَّر بشكل خاص من خلال مقياس ريختر، الذي هو لوغارتمي. وهكذا، فإن زلزالاً بقوة 6 يعادل طاقةَ قنبلة نووية، وبقوة 7 يعادل طاقة 25 قنبلة، وبقوة 8 يعادل طاقة 800 قنبلة وبقوة 9 يعادل طاقة 25000 قنبلة....
شدة الزلزال intensité: يتيح ذلك قياس نتائج الزلزال، التي تتعلق بشكل خاص بصلابة الأرض والبعد عن المركز الزلزالي. ومنذ عام 2000، اعتمدت بعض الدول مقياس EMS European Macro-seism Scale)). يبدأ من الدرجة 1 بالنسبة لزلزال يكاد يكون غير محسوس إلى 12: الأضرار حينذاك ضخمة.
وقائع وأرقام
يهزّ أكثر من 3 ملايين زلزال الأرضَ كل عام: كلها تقريباً، بقوة تقل عن 3 على مقياس ريختر، غير محسوسة. إلا أن ما يقرب من 150 زلزالاً بقوة تقل عن 6 هي زلازل مستعدة لأن تُحدث أضراراً هامة. يقع كثير منها في البحر، أو في مناطق قليلة السكان. يبدو عددها ثابتاً على مر السنوات. ومنذ عام 1900، تسببت الزلازل في وفاة أكثر من 2,6 مليون شخص. سُجل أقواها في التشيلي في 22 أيار 1960، حيث بلغت قوته 9,5. هزت موجاتٌ زلزالية الغلاف الصخري للأرض كلها لمدة عدة أيام. إلا أن أكثر الزلازل فتكاً هو ذاك الذي وقع في الصين عام 1555 وكانت حصيلته المقدرة: 830000 قتيل.
هل تحسّ الحيوانات بالزلازل؟
"كانت قد رحلت كلها.. فوجئتُ فعلاً. لم تراودني شكوك إلا فيما بعد، عندما وقعت الهزة الأرضية"، تقول "راشيل غرانت" Rachel Grant، عالمة الأحياء البريطانية، التي تدرس في إيطاليا مستعمرةَ علاجيم (ضفادع) crapauds bufo bufo منذ نحو أربعة أعوام.
ولكن، في عام 2009، قبل خمسة أيام من زلزال بقوة 6 سيقع على بعد 74 كم من مدينة "أكيلا"، مسبباً 300 قتيل، وقع حادث غريب. فرّت العلاجيم من برْكتها فجأةً، وكانت مع ذلك في خضم طور تكاثرها. في البداية، اختفت الذكور وحدها، ثم بعد ذلك بوقت قصير توارت الأخرى. "هذه أول مرة توثِّق فيها دراسةٌ علمية سلوكَ الحيوان في الطبيعة قبل وفي أثناء وبعد هزة أرضية"، تؤكد عالمة الأحياء. إلا أن الشهادات حول السلوكيات الغريبة للحيوانات قبل الهزة الأرضية ليست معدومة: من الحمائم التي لا تعود تطير إلى الثعابين الموجودة في الأسر التي تحاول الهروب من قفصها، مروراً بالفيلة التي تهرب. في نهاية 2010، أوضح فريق صيني أيضاً كيف ازداد فجأةً مقدار ما تتناوله جرذانٌ في المختبر من طعام، وشاهد كرْبَها يتفاقم في اليوم السابق للزلزال الذي ضرب مدينة "ونشوان" عام 2008 (بقوة 7,8). أن تدرك بعض الحيوانات العلامات المنذِرة للزلازل فذاك شيء مكتسَب. يبقى أن نعرف ما هي وكيف... من المؤكد أن اهتزازات يمكن أن تحدث قبل ساعات من وقوع الزلزال. ولكن قلما يكون ذلك منهجياً. تشتبه "راشيل غرانت" بأن علاجيمها كانت قد شعرت بالتشويشات الكهربائية للكرة الأيونية (غلاف التأيُّن) ionosphère، الطبقة العليا من الغلاف الجوي الأعلى، التي تظهر خلال الزلزال. هذه الفرضية أطلقها أيضاً التقرير الجاد جداً لـ "مكتب الأبحاث الجيولوجية والمنجمية" الفرنسي عام 2009، والذي يفيد بأن هذه التشويشات قد تكون وراء ذعر ضفادع "أكيلا". مع ذلك، هذه السلوكيات الحيوانية غير مجدية بمفردها للتنبؤ بهزة أرضية. أولاً، لأن الحيوان يمكن أن يتعرض للكرب من خلال أحداث أخرى كثيرة غير الزلازل. ثم، لأنها لا تتيح معرفة في أيِّ مكان سيقع الحدث، ولا ما إذا كانت شدته تبرر إخلاءً للسكان. إلا أن سلوك الحيوان يمكن أن يشكل مؤشراً منذراً بين مؤشرات أخرى. وفي "معهد التنبؤ بالهزات الأرضية" في بكين بالصين، درس الباحث "تشنغ – يان ليو" Cheng – Yan Liu إمكانية التنبؤ بالزلازل من خلال الربط بين ثلاثة مؤشرات: قياسات الضغط بمستوى الصدوع، والموجات دون الصوتية بل أيضاً.. الاستثارة التي تشاهَد لدى طيور صغيرة من فصيلة الببغاء perruches.
التسونامي، هزة بحرية
بعد زلزال 27 شباط 2010، في التشيلي، بقوة 8,8، اندفعت موجةٌ، تسونامي، بلغ ارتفاعها 2,34م، على الشاطئ التشيلي. تسببا، الزلزال والتسونامي، بموت أكثر من 500 شخص. بعد ذلك ببضعة أشهر، ضرب زلزال بقوة 7,7 إندونيسيا في عرض جزيرة سومطرة. لم يؤدّ إلى إصابة سوى بضعة أشخاص بجروح. إلا أن موجة مدمرة اكتسحت الشاطئ بعد دقائق ودمرت عشر قرى وقتلت أكثر من مئة شخص. أيقظ ذلك كابوس التسونامي الرهيب الذي وقع في كانون الأول 2004 وتسبب بوفاة أكثر من 280000 شخص في المحيط الهندي. يعرف سكان الجزر ذلك جيداً: ليست الهزة الأرضية غالباً سوى الفصل الأول لمأساة تتحرك في أساسها داخل الماء. تعود في منشأها إلى اختلال مفاجئ في قاع البحر، هزة أرضية في أغلب الأحيان، لكن ذلك يمكن أن يكون أيضاً انزلاق تربة، أو تفجيراً نووياً، أو سقوط حجر نيزكي، يُحْدث اندفاعاً مميتاً. ترتفع الطبقة الأرضية أو تنهار على نفسها، أو الحالتان معاً أحياناً على بعد بضعة أمتار. ويتزعزع عمود الماء الواقع في الأعلى. يهزه تموّجٌ واسع وينتشر. وعندما يقترب من الشواطئ، يصطدم بارتفاع مستوى أرضية قاع البحر، فتتشكل أمواج يمكن أن يصل ارتفاعها إلى عدة عشرات من الأمتار تخترق الأرض اليابسة حتى عدة كيلومترات. عندما يتشكل التسونامي في عرض الماء، يمر دون أن يكون مدرَكاً تقريباً. ولكن يمكن أن يقترب سريعاً من الشواطئ، قاطعاً آلاف الكيلومترات بسرعة متناسبة وارتفاع الماء. في المحيط الهادئ على سبيل المثال، حيث يبلغ ارتفاع الماء 5000 م، تندفع الأمواج بسرعة 800 كم / سا تقريباً، منفصلة كل منها عن الأخرى بمسافة نحو 200 كم. تتضاءل السرعة مع الاقتراب من الشواطئ، لكن ارتفاع الأمواج يزداد. يمكن أن يبلغ عدة عشرات من الأمتار! ربما يكون الرقم القياسي قد حدث في اليابان عام1771: تراوح ارتفاع الموج بين 30 و84 م، وفقاً للتقديرات.... عندما يصل التسونامي إلى الشاطئ، يتخذ شكل المدّ القوي جداً (يصعد الماء في غضون عشرين دقيقة) أو الموجات الاندفاعية. في هذه الحالة الأخيرة، تتحرك قمة الموجة بشكل أسرع من قاعدتها، المكبوحة بالاحتكاكات والاضطرابات التي تحدث بنتيجة التماس مع القيعان. تسبب فروق السرعة هذه انكفاء الموجة على نفسها. يتراجع البحر فجأةً على الشاطئ قبل أن يعود على شكل جدار سائل. يمكن مع ذلك تجنب وقوع أموات، إذا حدث الزلزال على بعد عدة كيلومترات من الأراضي اليابسة، حيث يمكن استغلال زمن انتشار الموجة لتحذير السكان بواسطة مكبرات صوت تقام على الشواطئ. ومنذ تسونامي عام 2004، عممت الأمم المتحدة منظومة إنذار لم يكن مزوداً بها حتى ذاك الحين سوى المحيط الهادئ. كان المحيط الهندي مزوداً بلاقطات ضغط منصوبة على قاع البحر وموصولة بعوامات على السطح تقوم بتسجيل ارتفاع البحر وترسل هذه المعلومات عبر الأقمار الصناعية إلى "مركز إنذار التسونامي" في هاواي.
Science & Vie, hors série, mars
شرح الصور
( 1) بورت أو برانس، كانون الثاني 2010. لم تعد العاصمة الهايتية، غداة الهزة الأرضية التي دمرتها، سوى ركام من الحطام.
( 2) 18 نيسان 1906، سان فرانسيسكو تهتز بعنف: في ذلك اليوم، نحو الخامسة صباحاً، أصابت صدمات عنيفة، استمرت 45 إلى 60 ثانية، خليجَ سان فرانسيسكو (الولايات المتحدة). شعر الناس بالزلزال، في ذروته، وكان بقوة 8,2 على مقياس ريختر، على مساحة نصف قطرها 500 كم تقريباً، من أوريغون إلى جنوب لوس أنجلس، وحتى وسط نيفادا. انفتح صدع بطول 470 كم غير بعيد عن سان فرانسيسكو، حيث شب حريق ظل يعصف بعنف طوال أربعة أيام. تكبدت المنطقة 3000 قتيل إضافة إلى تدمير 28000 مبنى. شكلت الكارثة منعطفاً في دراسة الزلازل. كشفت عمليات الرصد في الواقع عن تطابق لافت بين جسامة الأضرار والشروط الجيولوجية تحت الأرضية.
( 3) 22 أيار 1960، زلزال قياسي في التشيلي: في عام 1960، تعرضت التشيلي لأقوى زلزال معروف، بقوة 9,5. أدى الزلزال إلى حدوث صدع في المنطقة بطول 1000 كم وتمخض عن تغيرات هامة في التضاريس: تمخض هبوطُ صخورٍ وانزلاقاتٌ أرضية عن ظهور بحيرة في "ريو سان خوسيه". ووصل عدد الضحايا في إلى 1500 قتيل وتدمير 60000 منزل. كانت هناك نتيجة أخرى: تسونامي ضخم أغرق الشواطئ على المحيط الهادئ مسبباً وفاة 61 شخصاً في "هاواي"، و200 في اليابان، و32 في الفيليبين. في "هاواي"، انتقلت كتل من الصخور شكلت سداً، بوزن 20 طناً تقريباً، إلى داخل الأراضي اليابسة بمسافة 180م.
( 4) 16 كانون الثاني 1995، مدينة كوبي اليابانية تتزعزع: كان من المعتقد أنها بعيدة عن مناطقِ الزلزاليةِ القوية ومتينة البناء. مع ذلك، استيقظت مدينة كوبي اليابانية ذلك الصباح مخرَّبة، عقب زلزال بقوة 7,2 درجة. أحصيت فيها 5500 وفاة، مع تدمير مئات المنشآت بفعل الصدام، حيث وقعت انزلاقات أرضية، أو أنها انهارت على تربة سائلة. دفع الزلزال السلطات اليابانية إلى المباشرة بتنفيذ برامج إمداد بتجهيزات لمراقبة الصدوع، وبرامج بحثية، وكذلك أعمال كبيرة مقاوِمة للزلازل.
( 5) 26 كانون الأول 2004، إندونيسيا مدمرة بتسونامي: فاجأت الكارثة المزدوجة العالمَ كله، حتى الجيوفيزيائيين. تغوص الصفيحة الهندية تحت الصفيحة الأوراسية بمدار 3 سم سنوياً فقط، ولم تكن قد تسببت أبداً من قبل من حيث الظاهر في إحداث زلازل كبيرة. مع ذلك، انفتح الصدع بطول 1200 كم، محدثاً صداماً قوته 9,3: اكتسحت أمواج عملاقة بارتفاع أكثر من 10م الشاطئ الإندونيسي. الحصيلة: 228000 قتيل. أطلقت الكارثة حركة دولية للتجهيز بالمعدات بمستوى الأحواض المحيطية كلها، بهدف الكشف عن التسونامي.
(6) 12 كانون الثاني 2010، دمار بورت أو برنس:
أصاب أكثر الزلازل تدميراً في هذه السنوات الأخيرة منطقة بورت أو برانس في هايتي مُوقعاً 222000 قتيل. كانت حصيلة ثقيلة بسبب تتابع عدة كوارث: هزات تالية للزلزال الرئيسي، وأعاصير لولبية، وفيضانات وأوبئة... كان علماء الزلازل يتوقعون هذا الزلزال، ولو إنه من المستحيل قول متى سيقع. وسيعود ليقع من جديد في غضون الخمسين سنة القادمة. بعد ذلك بشهر، ضرب زلزال التشيلي. ورغم إنه أطلق طاقة أكبر من تلك التي أطلقها الزلزال الهايتي بنحو 500 مرة، فإنه لم يوقع سوى 521 قتيلاً.
المصدر : الباحثون العدد 67 كانون الثاني 2013