لم يأت ولن يأتي أحد بمثل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل ما قرره الرسول أو فعله فهو سنة باتفاق أهل العلم. ومن هذا تلك المعجزة الطبية التي وقف العالم المتقدم الآن حائراً أمام نتائجها، تلك المعجزة التي رأى المرضى بها الفرج بعد اليأس والشفاء بعد المرض.. إنها التي قال عنها الرسول الذي لا ينطق عن الهوى.. "خير ما تداويتم به الحجامة، كما قال عليه السلام أيضاً: "ما مررت ليلة أُسري بي بملك من الملائكة إلا قالوا يا محمد مرْ أمتك بالحجامة". إن كلمة "الحجامة" مشتقة من حجم، فنقول حجم فلان الأمر، أي أعاده إلى حجمه الطبيعي، وأحجم ضد تقدّم، فمن احتجم تحجم الأمراض من التعرض له.
تاريخ الحجامة
الحجامة هي طريقة طبية علاجية قديمة تعتمد على مبدأ توسيع أوعية الشرايين، مما يؤدي إلى زيادة الدم الوارد إلى المنطقة المرضية، وهذه الزيادة تؤدي إلى تقوية عامل المناعة والعوامل المدافعة عن الجسم كالكريات البيضاء (التي تصبح أكثر تحفزاً على القيام بدورها في طرد السموم والجراثيم من الجسم)، وكذلك الخلايا. وهذا يؤدي بدوره إلى عمليات كيميائية استقلابية وخلطية هرمونية تزيد من سرعة التخلص من الآفة المسببة للمرض، لذا فهي خطة علاجية ووقائية. وأما عن تاريخها فهي معروفة منذ قديم الزمن تناقلها الأنبياء والمرسلون في وصاياهم، وقد عمل بها الفراعنة عندما لمسوا فوائدها ومنفعتها، فقد وجدت لها عدة رسوم منقوشة على جدران مقبرة الملك الفرعوني "توت عنخ آمون"، وعرفها الإغريق القدماء، وانتشر استعمالها في عهد أبقراط (أبو الطب) اليوناني، وامتد تداولها قروناً عدة، ولكن عصرها الذهبي كان في عهد الإسلام بعدما أوصى الرسول الأعظم النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالحجامة.
العلاج بالحجامة
الحجامة عبارة عن أكواب من الهواء تستعمل لعلاج الكثير من الأمراض والعلل عن طريق سحب الدم الفاسد من الجسد، وقد اتخذها العرب قديماً كوسيلة فعالة للمعالجة، ثم جاء الرسول صلى الله عليه وسلم فأقرّها وحثّ عليها وحدّد مواضعها وأوقات عملها، كما وردت في السنة أحاديث كثيرة تدلل على أهميتها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الشفاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة محجم، وكيّة نار، وأنا أنهى أمتي عن الكي"، وقال صلى الله عليه وسلم: "خير ما تداويتم به الحجامة "، وقال أيضاً: "إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري"، والقسط البحري هو العود الهندي، كما قال: "الحجامة تنفع من كل داء إلا الهرم فاحتجموا"، وعن أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مازال جبريل يوصيني بالحجم حتى ظننت أنه لابد منه"، وقد أثنى علماؤنا الأفاضل بأن هذا العلاج سنة نبوية وأوصوا بها لعلاج الأمراض.
إن هذا العلاج نوع من أنواع الطب الذي لا يجوز لأحد أن يتخذه علاجاً إلا إذا كان عالماً بما يقوم به، والقاعدة هي التي قالها الرسول عليه السلام: "من تطبب وليس بطبيب فهو ضامن عليه". وميكانيكية العلاج مازال البحث قائماً عن كيفية العلاج، ولكنها تعتمد على ثلاثة محاور رئيسة:
- الأول: إخراج الدم من الشعيرات السطحية، وهو مختلف تماماً عن الدم المسحوب من الأوردة الرئيسة.
- الثاني تنشيط موضعي للألم.
- الثالث: إثارة مسارات الطاقة الرئيسة المعتمدة على نقاط الوخز بالإبر الصينية ثم بالشرطة من المحجم، وهذا يعطي أثراً علاجياً مضاعفاً.
وقد أُجريت عدة دراسات علمية وبحوث موثقة في العالم المتقدم وفي عالمنا العربي حول العلاج بالحجامة، ومن أهم هذه البحوث التي أجريت في قسم الطب الصيني في مستشفى القوات المسلحة بالحدود الشمالية، فأصدروا توصيات لتعميم هذا العلاج في المستشفيات لما له من أثر فعال في تنشيط خلايا الكبد المصاب بفيروس (C)، وفي علاج آلام الظهر والمفاصل والصداع والقولون. وأما عن النتائج العلاجية للحجامة، فهي كثيرة جداً ومثبتة علمياً وعلاجياً في كثير من المستشفيات بداية من الصين شرقاً مروراً بأوروبا وانتهاءً بأمريكا غرباً، ومن أهم هذه العلاجات والنتائج:
- علاج الصداع النصفي والشقيقة.
- علاج أمراض الدم والضغط.
- علاج أمراض القولون والجهاز الهضمي.
- علاج الفتور والقلق.
- علاج آلام الظهر والمفاصل الحادة والمزمنة.
- علاج عرق النسا.
- علاج الضعف الجنسي.
جوز القمحدوة
كما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عليكم بالحجامة في جوز القمحدوة، فإنها شفاء من اثنين وسبعين داءً، وخمسة أدواء: من الجنون، والجذام، والبرص، ووجع الرأس". وتعرّف القمحدوة بأنها عظمة بارزة في مؤخرة الرأس. أما الجذام فهو داء يصيب الجلد والأعصاب الطرفية يؤدي إلى تساقطها، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم ثلاثاً، واحدة على كاهله والثانية على الأخدعين". وعندما سئل النبي عن الحجامة قال: "إنها تشفي من الأخلاط ". وكلمة الأخلاط هي التي يطلق عليها الآن انسداد في الدورة الليمفاوية، فالحجامة تقوم بتسليكه، كما يقوم أحدنا بتسليك الحوض من الرواسب وإلا سيفيض الماء ويتساقط على الأرض، وبعد ذلك تبدأ الدورة الوريدية حركتها بشكل طبيعي فيزول المرض ويشفى.
وقد ظهرت في ألمانيا مدرسة مشهورة تدعى " Fask " تقوم على الحجامة، ثم ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية مدرس تدعى " Cupping "، ومنذ ذلك الحين أصبح الحديث عن الحجامة حديثاً طبيعياً طالما أن هناك مدارس طبية عالمية كبيرة تناولت الموضع بجدية، ومن الجدير بالذكر أنهم تكلموا عن شفاء كثير من الأمراض بالحجامة، كما أنهم أخذوا نفس المواضع التي حددها النبي صلى الله عليه وسلم، وذكروا أنهم استفادوا من التراث العربي والصيني، ولكنه في الحقيقة الإعجاز النبوي. لقد وضّح الرسول في حديثه (عليكم بالحجامة في جوز القمحدوة) مواضع الحجامة، وهي على الأخدعين وعلى الكاهل، وهذه المواضع هي التي ابتدأت بها مدرسة " Fask " في ألمانيا ومدرسة " Cupping " في أمريكا. كما بحث العلماء الألمان في معنى "نقرة القفا" وتوصلوا إلى أنها هي التي تلي الغدة النخامية، هذا ويمرّ بنقرة القفا 72 هرموناً من الغدة النخامية تذهب إلى بقية غدد الجسم والغدة الصماء، ولذلك فإن أي خلل في أي هرمون يؤدي إلى داء، والحجامة في نقرة القفا تؤدي إلى الشفاء من 72 داءً. وقد ذكر ابن القيم أن النبي احتجم في عدة أماكن من قفاه بحسب ما اقتضاه الحال، كما احتجم في غير قفاه بحسب ما دعت الحاجة إليه، كما احتجم الرسول من الشقيقة، واحتجم من السم الذي وضعته اليهودية في الشاة، واحتجم أيضاً من تعب كان به.
مواعيد الحجامة
تُستحب الحجامة في وسط الشهر وبعد الوسط، وبالجلة في الربع الثالث من أرباع الشهر، لأن الدم في وسط الشهر يكون قد هاج وبذلك فإن الحجامة تقوم بتنقية سطح البدن، وقد وجد أن هنالك علاقة بين ضوء القمر وبين المد والجزر في البحار والأنهار والمحيطات، وبما أن الإنسان البالغ تركيبه يزيد عن 80% ماء، وبما أن البحار والأنهار والمحيطات في تمام كمال القمر وتمام كماله (بدر) أيام 17 و19 و21، فيزيد المد والجزر في البحار وبالتالي يزداد الماء الموجود بنسبة 80% أو أكثر، ولذلك أوصى رسول الله بعمل الحجامة في هذا الوقت من الشهر العربي، حيث يزداد الانسداد الموجود أو الأخلاط الموجودة، وفي هذه الحالة يصبح هناك إمكانية تصريف كامل وانفتاح للصرف الكامل. ومن هنا حثّ النبي على صيام أيام 13 و14 و15، من كل شهر وهذه الأيام تمام كمال القمر حيث قال: "إن من صام هذه الثلاثة كان حقاً على الله أن يرويه يوم الظمأ". وروى أبو هريرة عن النبي أنه قال: "من احتجم لسبع عشرة أو تسع عشرة أو إحدى وعشرين، كانت له شفاء من كل داء"، وهو معناه من كل داء سببه غلبة الدم. وأفضل الأوقات التي تُجرى بها الحجامة أن تكون صباحاً على الريق دون تناول الطعام من الساعة السادسة صباحاً حتى الثانية ظهراً، والسبب في ذلك كي لا يواجه المحجوم مشاكل أثناء عملية الحجامة، ويكون الجسم في حالة استرخاء وراحة في الفترة الصباحية، مما يساعد على خروج أكبر كمية من الدم الهرم من الجسم، والأفضل أن لا يمارس المحجوم أي مجهود عضلي وأن لا يعاني من أي مرض يومها.
المصدر : الباحثون العدد 69 أذار 2013