ضمن رحلة التناقص التي نمرّ بها بإصرار بأننا نكبر؛ وهي التي تأخذ بنا للسؤال الكبير؟ كم رحل من عمرنا، وكم بقي لنا، وهل لدينا هامش أم لا؟ أهو في اعتقادكم يخصّ الكاتب والمدقق والأمير والسفير والوزير والمدير، أم يخصّ الحياة ومسيرة الإنسانية، بأطوارها وتطوراتها العاجلة والآجلة؟. مهمٌ جداً تواجده على جوانبك، وحينما تحاول تلمّس مساراتك، أو تكتب على سطورك ضمن صفحاتك، أسألك كم من الهامش تمتلك في حياتك؟، وحينما تتناول كتاباً ما تجد أنه موجود على اليمين وعلى اليسار، وتصرفاتك وكلماتك ومصروفك اليومي وعلاقاتك مع الآخر، هل تفكرت يوماً أن للسطور حدود، كما أن الهوامش التي تمتلكها أيضاً تحمل ذات الأبعاد، فإذا تجاوزتها كان السقوط. هل لديك هامش كفرد ضمن أسرة، والأسرة ضمن المجتمع، والمجتمع ضمن دولته، والدولة ضمن الأمم؟، ما هي أبعاده، وما هو هامشك ضمن الحياة، هل تستطيع أن تمدّد بقاءك فيها أم لا؟ فهي الوحيدة حينما تكتب نقطة انتهت، لا تستطيع بعدها أن تضيف شيئاً ومهما بلغت قوتك فيها.
لنعلم أن من يمتلك هامشاً ضمن مسيرة حياته يمتلك قيمة حياته، ومن ليس لديه ذاك فهو آلي، يشبه الآلة التي إن استمرت في عملها أخذت صاحبها إلى الهاوية، وإن تعطّلت أوقفت زمنك، فحِرتَ بين التزاماتك الواجبة أمام الآخرين وأمام ذاتك. حينما كنا صغاراً كانوا يمنعوننا من أن نكتب على الهامش مشاعر وأحاسيس كانت تراودنا، ولحظة أن كبرنا بحثنا عنه فطُلب منّا أن يكون نظيفاً. إذن، كيف ندركه إن لم ندرك أنه هامش الحياة المتاح لنا؟ فرحلتنا بها هي الهامش المفترض أن نملأه، فإن لم نفعل يعني أن علينا البقاء ضمن السطور بلا حضور، كلمات يفهمها الآخر، أو لا تمرُّ كما تمرُّ الرياح، تأخذ المعتاد وتترك المتماسك والمتجذر الواعي لمفهوم هوامشه. الهامش يختصُّ به الأستاذ لذلك ينبغي أن يبقى نظيفاً، الأب في الأسرة جسر يمرُّ عليه الأبناء، يصطدمون بحائط الحياة، يحاولون صعوده، يحتاجون لمن يشكل لهم رائعة، يعودون إلى الهوامش يجدونها خالية، يحتارون، فالعصافير لها أجنحة تطير وهم لا يطيرون، كيف باعتقادنا أنهم سيمرّون على الهامش، هي قضية شائكة نبحث بها كي لا تبقى كلمات مفردة على السطور لا نستطيع تجاوزها .
يا صديقي: وأنت الأستاذ أسألك عن مساحة الهامش المسموح لنا كي ندوّن فيه، ما نأمل ونحلم من أمنياتنا وأحلامنا الصغيرة التي تبقينا كأثر بعد عين، وكم هي مساحة الهوامش المعطاة لك والمسموح أن تمنحنا منها هامشاً؟ ننتظر الإجابة منك، بكونك أعلم بالهوامش المسموحة لنا.
هل رأى أحد منكم نهراً بلا ضفاف، ماذا تعني لنا جميعنا هذه الضفاف، أمِن الممكن أن يكون ذلك، وما الفرق بين الهامش والتهميش، فإذا هُمّشت هل يعني أنك خرجت من المعادلة؟، اسأل نفسك، أسأل روحك كيف يمكن لك أن تعود، وأن تمتلك زمام هوامشك، ومن أجل ماذا وُجد ذلك الهامش، هل هو للتصحيح أم لإيضاح الحقيقة؟ وعليه يكون منْعنا من أن نكتب فيها وعليها، أستذكر أن المعلم كان يمنعنا، مخصصاً ذلك الهامش له ليضع عليه علامات تقيّمنا: "أحسنت، جيد، وسط، ضعيف، شوهد" بينما أعتقد أنه لو سُمح لنا بالكتابة عليه لكان أشعرنا أنه قيمة حياتنا المضافة، والمضاف إليه، هو فعل الحقيقة، أي: أن هوامش العقل الجوهري لا تظهر إلاّ بالهوامش بعد أن نزيح عنه تلك التراكمات الفجة التي تمنع التقاءنا بالآخر، هل الهوامش تُمنح وممّن، أم تُستورد، أم تلقى من السماء، وماذا يعني وجودها في نظام حياتنا، هل من أجل انتظامها، أم بغاية إحداث عبثية خلال مساراتنا البصرية؟.
ما معنى أن يكون هناك خبر على الهامش، كأن يقول أحدٌ ما: "على هامش المؤتمر"؟ أو هناك مؤشرات جانبية ضمن تقرير ما في المساحة المسموحة لنا، نقرؤها فنختصر كل ما كتب في ذلك التقرير مذكورة في الهامش، حيث تشير لنا بالفعل ضمن لغة الحبّ أو التضاد ما تريد، أو ننشد أن نصل إليه. الهامش في اعتقادي واعتقادكم مقياس لدرجات النجاح أو الفشل، ضمن مجريات المساحة المعطاة لنا كي نحياها، نغادرها فيبقى الهامش يذكّر الآخر بنا، حيث أنه لا يمتلك الوقت لقراءة الكثير عنّا، فيكتفي بقراءة الهامش نحن جميعنا ننشد هامش الحياة .
د.نبيل طعمة
المصدر : الباحثون العدد 44 شباط 2011