كلما نظرت إلى الأعلى، تنشأ لديك مشكلة الانتقال درجة صعوداً من خلال الكيفية التي تتمتع بها ، ووجود آليات الانتقال، فهل أنت جاهز وهل امتلكت طموح الصعود؟ بمعنى أنه ليس الصعود التقليدي؛ إنما هو صعود التطلع الممتلك في الطموح، فتَعلّم التطلع إلى الأعلى يحتاج المسير، ورؤية في مستوى النظر، وضمن الخط المستقيم، مع انفراج زاوية الرؤية المنطلقة من العين، وميل النظر إلى الأمام والأعلى، ابتداءً من نقطة النظر في مركز العين، والذي يؤدي بك إلى أن تكون واقعياً مبتعداً عن الخيال، متقدماً بخطاً ثابتة ترى طريق صعودك متجنباً العثرات، مختاراً أفضل السبل للوصول للهدف .
فهو التطلع إلى الأمام في حركة المسير والصعود إلى الأعلى؛ ضمن الآليات الفكرية التي تحمل الهدف، وكلما كان الصعود هادئاً كما تصعد السلّم، تصل سالماً، بلا إنهاك ولا تعب، ولا يتم ذلك إلا بالتدقيق والاختيار السليم لما تريد الوصول إليه، وفي المعنى اللغوي: هو الامتداد والعلو والارتفاع. وكل من نظر إلى شيء مرتفع بالرتبة والمنزلة، وتمنّى حصول الأفضل، وسعى للعلو فهو طامح .
وثمة تماثل بين جذرَي طمع وطمح، فالطموح طمع بالأفضل، وهو إيجابي إذا اتخذ وسائل الخير، والمثابرة والجد؛ لكنه ينقلب على صاحبه إذا كان يحمل مع العلو تكبراً، وإفراطاً في الأنا والفخر بها .
والطامح لا يبالي بالمخاطر التي تخيفه، فهو مقدام ليحقق ما يطمح إليه، بل سيتلذذ ركوبها كمتسلق الجبال، كلما صعد ميلاً طمح ليصعد ميلاً آخر، حتى إذا ما رام قمتها وجلس عليها اعترته النشوة ودغدغته السعادة، بكونه حقق ما صبا إليه طموحاً، ونسي كل آلام الصعود والتعب، إذاً كل مكان مرتفع يسعى إليه الناس فهو مطمح، فمن يحمل الطموح ويعمل له يكن مرتقباً متحفزاً، والطامح صلبُ العزيمة، رابط الجأش لا يبالي بصغائر الأمور، يتمتع بهمة عالية وقلب نابض بالحيوية والنشاط، مترفعاً لا يعرف التكاسل ولا التقاعس، سماويَّ النظرة، بكونه دائم التطلّع إلى الأعلى، ويحمل في داخله الوصول للعلا.
إنه يحتاج العلم والعمل الحقيقي بمكوناته: الإصرار، والجد، والإخلاص، والتفاني، والنية الصادقة الصافية، لقد حلم أوناسيس إمبراطور البِحار- وهو الذي ملك في نهاية حياته أكبر أسطول تجاري، وقُدرت ثروته بالمليارات من الدولارات - وطمح في طفولته الفقيرة بأن يصبح مليارديراً، فعمل ووصل، وأيضاً بيل غيتس سعى بطموحه أن يمتلك أكبر شركة برامج للحاسوب، وحقق ذلك وأنجز مايكرو سوفت، كما طمح بيليه بأن يكون أفضل لاعب وأصبح كذلك، والأمثلة كثيرة وكثيرة، نريد أن نرى ذلك في عالمنا العربي .
وطموح بلا عمل ينحصر في خانة اليأس، ويتحول إلى هيام لا يجد طريقه، والطموح بلا فكر وتفكر وعلم؛ لا يتوفر له الاندفاع ويبقى وحيداً منعزلاً في عالم القلب والخيال .
الطموح إرادة الحياة وشعلتها المضاءة، فمن يسِر إليه يصل، ومن يمتلكه وتنبعث في داخله رغبة الجدّ والاجتهاد للوصول إلى ما تصبو نفسه إليه من منزلة رفيعة ومكانة سامية يصل أيضاً.
وإن الطموح الصادق هو الذي يحمل النوايا بالتنفيذ شريطة أن لا تبقى منحصرة في النفس، ولا تحصر الطموح معها في العقل، فالحياة لأبنائها الطامحين العاملين المجدين، ترعاهم إذ يرعونها، وتبعدهم إذا تخلّوا عنها، وكل شعب استسلم للدعة، وركَن إلى الراحة، ولم يتسلق سلّم الطموح ليصل إلى القمة ستدوسه عجلة التاريخ، وسيطويه الزمن، وسيغدو نهباً مقسماً بين أيدي الناهبين، ولقمة سائغة في قمم المتسلّطين .
لنمتلكْ الطموح، ولنسِرْ إليه أفراداً وأسراً وجماعات، لنرتقِ أولاً بأنفسنا، ونحققْ السعادة لأسرنا، ولْنطمحْ بأن نمتلك مجتمعاً راقياً منتجاً حاضراً له قمته التي نصنعها بطموحنا، ووصولنا إليها، فيرتفع اسمُ الوطن، فنكبر به ويكبر بنا .
د . نبيــــل طعمـــــة
المصدر : الباحثون العدد 38 آب 2010