قوة السيطرة على الانتظار، نستعين به كي لا نفقد الأمل، لذلك كان امتلاكه والتمتع به اختصاص الخاصة، وتخصص خاصة الخاصة، لا تمتلكه العامة التي خُلقت عجولة، لذلك نراه يختلف باختلاف الموقف الذي يراد له أن يكون فيه، وهو حالة معرفية تبصّرية، تتحكم بالبصر والقوى الانفعالية، فتمنع الهيجان، وتحلُّ محلّه السيطرة على قوة الفعل من أجل فعل القوة، يجب علينا دراستها بدقة، وأن نتعلمها من خلال آلية التفاعل معها، والأهداف المرجوة منها.
والصبر تبصّر ورؤية شاملة لموضوع نستهدفه، أو حالة تأمّلية ننتظر منها وحياً، يرخي ظلاله على نقطتي البداية والنهاية، قد يكون مؤلماً في بدايته، وتميل بنا آليات التعجّل التي تعتبر على تضاد معه، ومعاكسة لمسيرته، وعرقلة فكرية تحاول الخروج منه، بكون العجالة والتعجّل يمتلكان إغراء وإغواء حركة المسير من بدايته وحتى منتصفه، تتابعه إلى ما قبل الوصول إلى نهايته.
هو صبر العاقل، والعارف، والمعلّم، والعالِم على امتداد مراحل مسيرتِه، وحالتِه ومواقع تواجده، لذلك نجده شخصية اعتبارية لها قيمتها؛ التي تمنح الإنسان قيمة إضافية من قيمتها، وقدراً كبيراً من تقديرها وحضورها، وذلك بامتلاكه عناصرها المهيأة والموجهة للهدف المنشود والزمن المحتاج لها.
الصبر ليس إطاراً مادياً، بمعنى أنه ليس بوسع كلِّ إنسان امتلاك ميِّزة الصبر، لذلك قلت: إنه اختصاص خاصة الخاصة ومن بعدها الخاصة، فهو صفة موهوبة في كمال الإنسان، تتعمَّق بامتلاك معرفيٍّ كبير، ومقدرة تحليلية عميقة، ورؤى شاملة، يسيطر بها على أدائه، ويقود من خلاله سلوكه الذي يفرض به احترامه على الآخرين، وما معنى صبر أيوب، ولماذا نتغنّى به، وهل هو ضد الغضب، ورفيق الحلم، وصديق التأمّل وأخٌ للهدوء، يمسك بيده لحظة انتظار النتائج ؟.
وللصبر مواقف يذكر فيها، ويعتبرها الناس ذات قيمة كبرى، وفيه قيلت الأمثال :" كالصبر مفتاح الفرج، وللصبر حدود، والصبر طيِّب، وإن الله مع الصابرين إذا صبروا "، فهل هو كذلك، ومتى تُخترق حدوده، وكيف يتم تجاوزها حين نفاده ؟، ففي السياسة مثلاً؛ التي تعتبره جزءاً مهماً من فلسفتها وقوامها وتفاعلها مع الفكرة، أو مع الآخر، ليعيش بين انتظار ما ستؤول إليه وما سينتج عنه، وكذلك نجده ركيزة من ركائز الاقتصاد والتجارة التي تعتمده بعد إجراء عملياتها، وبحكم تداخله مع الطبيعة وقواها الخفية نراه مع المؤمنين قوياً، فبه تسكن فسحات الأمل المتعلقة بمعاني الجلالة، ولدى الآباء المشكّلين للأسر الذين غايتهم الوصول بالأبناء إلى شاطئ الأمان، بالتأكيد تحمّله مُقلق وأحياناً مُؤلم في مراحل مراقبة النتائج، لكنه إنسانيّ رجوليّ يحمل في طياته عواطف الرجال وقوتهم، وحنان النساء وتفاعلهن مع المواضيع والآخرين؛ لكنه بعد اشتدادها وظهورها يتحول بعدها إلى جرأة وإقدام وفعل يعطينا نتيجة الصبر.
بماذا تؤمن؟ إذا لم تؤمن بالصبر وطاقته؛ التي تمنحك الحكمة أمام أيِّ مواجهة، لتتحول معه إلى إنسان رصين، تمتص غضب الآخر، وتحول استماعك له إلى قوة ردِّ الحكيم، وبما أن الزمن ثابت والإنسان هو المتحول؛ يعني هذا لنا أن الإيمان بالصبر فعل القوة اللامرئية، تتحول إلى مرئية مرتسمة على الصورة المتحدثة عن نفاد الصبر، والبدء باختراق حدوده. لقد صبرت تسعة أشهر حتى ولدت، وهذا يعادل عمرك الزمني المقدّر بتسعين عاماً، فهل تعلّمت الصبر على تكوينك ضمن مسيرة حياتك؟.
د. نبيل طعمة
المصدر : الباحثون العدد 52 تشرين الأول 2011