رحلة الكتاب من الرُقم الطينية وصحائف البردي، إلى الأفلام والشرائح والوسائط الإلكترونية لحفظ واسترجاع المعلومات
تعدّ المكتبات الدعائم الأساسية التي يقوم عليها صرح الثقافة والمعرفة، والينبوع الصافي الذي يغذي تقدم الأمم الحضاري والفكري بماء الحياة والبقاء.. وبالتأكيد فإن نهضة الأمة ورقيّها منوط بوفرة مخزونها من المؤلفات، وما تلقاه مكتباتها من اهتمام ورعاية، وحرص على حماية مخطوطاتها وكتبها ووثائقها التاريخية، لتكون مصادر للباحثين والمحققين ومرجعاً يعود إليه طلاب المعرفة، وقد تسابقت الحضارات المتعاقبة إلى إنشاء المكتبات وحفظ مخزونها من التراث العلمي والأدبي، فظهرت المكتبات الأولى على عهد «السومريين» في بلاد الرافدين، حيث تم اكتشاف آلاف الرُقم الطينية التي نُقشت عليها الكتابة المسمارية (التصويرية) التي تعود إلى منتصف الألف الرابعة قبل الميلاد والتي تم حفظها داخل المعابد أو القصور أو المدارس. وكذلك كان الحال مع البابليين الذين تركوا إرثاً ضخماً من الرُقم الطينية تجاوز 600 ألف رُقم متضمنة شتى مواضيع الحياة.
وخلال التنقيبات الأثرية تم اكتشاف أضخم مكتبة في العاصمة الآشورية «نينوى» قريباً من الموصل في شمال العراق، وفي مكتبة القصر وُجدت ثروة عظيمة من النصوص القديمة على مئات الرُقم الطينية...
... وهنالك المخزون الرائع من الكتب الذي اكتشف في المكتبة المركزية في «إيبلا»، جنوب غربي حلب بسورية، وهي أقدم مكتبة تم الحصول عليها في الشرق الأوسط، يضاف إلى ذلك آلاف الرُقم الطينية المسمارية التي عثر عليها في «رأس شمرا» باللغة الأوغاريتية وتضمنت معاجم ونصوصاً أدبية وفلكية.
لم يستطع الإنسان منذ بداية التاريخ أن يعتمد على ذاكرته الداخلية في حفظ واسترجاع ما يخص حياته الفكرية والعلمية والاجتماعية والحياة العملية عموماً، فابتكر من الأوعية ما يحفظ له تراثه ورصيده الفكري من الضياع والنسيان، فبدأ يسجل المعلومات على الحجر والألواح الطينية، وأوراق الشجر ونبات البردي وعظام الحيوانات والخشب والجلود وأخيراً الورق ثم مختلف الأوعية غير التقليدية لتسجيل ونقل وحفظ المعلومات، ونقل الأفلام والشرائح والمسجلات الصوتية والمصغرات الفيلمية والوسائط الإلكترونية لحفظ واسترجاع البيانات آلياً.
وأخذ يشرع في تشييد مؤسسات للذاكرة الخارجية لحفظ هذه الأوعية بمختلف أشكالها، وينظمها ويرتبها حتى يسهل الرجوع إليها عند الحاجة للاستشارة والدراسة والبحث والقراءة.
هذه المؤسسات للذاكرة الخارجية هي ما نطلق عليه «المكتبات»، وقد برع الإنسان منذ القدم في تشييد هذه المكتبات وتفنّن في زخرفتها وهندستها، حتى أصبحت بعض هذه المكتبات قمة في الفن المعماري وتحفة فنية في حد ذاتها، وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدل دلالة واضحة على أن حفظ التراث والاهتمام به كان وما يزال الدور الطبيعي للبشرية على مر العصور.. وكان العرب المسلمون سباقين إلى إنشاء المكتبات بالنظر إلى كون الحضارة الإسلامية حضارة كُتب ومكتبات، واندفع المسلمون إلى ذلك العمل بفعل عاملين:
الأول: منبثٌّ من عقيدتهم وموقف الإسلام من المعرفة الإنسانية والعلوم، والحض على طلب العلم ولو كان في أقصى العالم.
والثاني: من جرّاء الاتصال بحضارات الأمم المجاورة، والتفاعل مع موروثها الفكري والعلمي الذي وصلوا إليه إبّان فتوحاتهم في البلاد المحررة، وما لبثت أن ظهرت المكتبات في الجوامع والمكتبات الخاصة في دور الأغنياء، ثم المكتبات الأكاديمية كدار الحكمة في القاهرة، وخزانة الحكمة في بغداد، والمكتبات العامة ومكتبات المدارس في شتى أرجاء العالم الإسلامي على امتداده شرقاً وغرباً.
* حفظ التراث أمانة إنسانية: لم يكن الحال مختلفاً مع الأمم الأخرى، وبالذات منها تلك التي شهدت النهضة الفكرية الحديثة، وبزوغ شمس التقدم العلمي، وتسارع الاكتشاف والاختراع، واتساع حركة التأليف والنشر، الذي حتَّم الاهتمام الكبير بحفظ التراث الفكري القومي وإسهامات البشرية في مسيرة الحضارة والمعرفة الإنسانية، من خلال تنظيم ذلك التراث فنياً، وتسهيل الرجوع إليه، والتعريف به عن طريق نشر قوائم ببيلوغرافيّة تصدر منتظمة في فترات محددة، الأمر الذي يوّفر للناس العودة إلى التراث، ويحفظه لتنتفع به الأجيال القادمة.
ولا بد هنا من أن نوضّح بأن المكتبات ليست مستودعات لحفظ التراث الفكري، ولا تقتصر مهمتها على تزويد الباحثين بالكتب والمؤلفات والمراجع، بل اتسع دورها ليشمل رعاية الأنشطة العلمية، والتعاون مع غيرها من المكتبات العالمية لتبادل المعلومات والإعارة والتصوير وتطوير الخدمات المكتبية، والاستفادة من كل جديد في عالم الطباعة والنشر على المستوى الدولي.
... ولقد جعلتُ هدفي في هذا البحث التعريف بعدد من مكتبات العالم الكبرى التي تواصل أنشطتها من بداية إنشائها في القرن الخامس عشر الميلادي وإلى يومنا الحاضر..
1- مكتبة الفاتيكان بروما:
يرجع تاريخ إنشاء مكتبة الفاتيكان إلى القرن الخامس عشر على يد البابا نيقولا الخامس (1447) والذي توفي عام (1455م)، ونمت مجموعاتها بفضل البابوات المتعاقبين، وأرسل نيقولا رجاله في بداية إنشاء المكتبة إلى ألمانيا واليونان وإنكلترا للحصول على الكتب والمخطوطات لمكتبته. وضمت إليها مجموعات مهداة من ملوك أوروبا وهي مجموعات ضخمة، وزوّد البابوات المكتبة بأنفس المخطوطات، وقد امتلأ دهليزها الذي يبلغ طوله 327 متراً، بأقدم وأندر المخطوطات، بالإضافة إلى الوثائق والسجلات والخرائط.
وكانت الثقافة والمعرفة العربية في ذلك الوقت في قمتها، فسعى رجال الكنيسة إلى اقتناء ما يستطيعون وضمّه إلى مكتبة الفاتيكان.
وقصد الباب نيقولا من وراء إنشاء مكتبة البابوات أن تفتح أيضاً للدارسين والباحثين.
وقد أشرف على المكتبة اثنان من الأمناء هما الكاردينال ايرل والبابا بيوس (11) اللذان استمرّا في تطوير المكتبة وتحسينها سواء في الفهارس أو التنظيم وتعديل قاعات القراءة والمخازن، مما جعل المكتبة من كبريات المكتبات في العالم وواحدة من أعظم أماكن البحث والدرس قلّما يوجد لها مثيل في العالم.
وتضم المكتبة حوالي 100.000 مجلد، و75.000 مخطوط، و7.000 مجلد من أوليات عصر الطباعة و100.000 نقش، وضمن أندر وأقيم المخطوطات يوجد الكتاب الفاتيكاني (القرن 4) وهو واحد من أقدم ثلاثة مخطوطات معروفة للإنجيل.
وكذلك كتابات فيرجيل وتوما الإكويني، دانتي، وبتريش، مايكل أنجلو، ومارتن لوثر، وبها مخطوطات لاتينية ويونانية وأخرى من اللغات الشرقية.
2- المكتبة الأهلية بباريس:
أقدم مكتبة قومية في أوروبا، وفي العالم أيضاً، أنشئت عام 1480م في عهد لويس الحادي عشر، وعُرفت بمكتبة «الملك» ثم بالمكتبة الملكية أو الإمبراطورية. كانت أولاً في مدينة لوفر ثم في بليوس، وفي عام 1616 نقلها كولبرت – المتحمس الشديد والمؤيد الكبير للمكتبة – إلى منزل صغير قريب من منزله ويقع بالقرب من المبنى الحالي للمكتبة بباريس.
وفي عام 1715 بدأت تنمو كماً وكيفاً، وأضيفت إليها مجموعات ضخمة جداً بعد أن أصبحت المجموعات التي يملكها الأفراد والمؤسسات ممتلكات عامة أثناء الثورة الفرنسية، مما جعلها تزهر بمجموعات كبيرة.
واقتنت المكتبة، خاصة في عهد فرانسيس الأول (صديق ليوناردو دافنشي) ولويس الرابع عشر، كتباً ومخطوطات وصل عددها إلى أكثر من 70 ألف مجلد عام (1715).
ونتيجة لغزوات نابليون تجمعت مجموعات كبيرة أخرى وضُمت إلى المكتبة الملكية، وقُدر عدد الكتب عند فجر الثورة بحوالي 300 ألف مجلد وتضاعفت في نهاية عام 1818م.
ومنذ عصر فرانسيس الأول في عام 1527 كان كل كتاب في فرنسا تودع منه نسخة في المكتبة بقوة القانون، ولكن لم يطبق حق الإيداع هذا تطبيقاً جاداً إلا حينما شرّع نابليون الأول قانوناً بتقديم المطابع المخالفة للتحقيق.
وبالرغم من المساحة التي احتلتها المكتبة فإنها لم تكن مناسبة لطوفان الكتب المنشورة في القرن الثامن عشر، وتم إعادة تنظيمها وتوسيعها على يد المهندس هنري لابورست، الذي اتبع في تنظيمها النموذج الذي أنشئت عليه مكتبة المتحف البريطاني من حيث الرفوف المعدنية وقاعات القراءة المستقلة.
وتضم المكتبة أربعة أقسام هي:
أ- المطبوعات والخرائط. ب- المخطوطات. ج- الأختام. د- النميات والأوسمة.
وتشتمل المكتبة على أكبر مجموعة من المخطوطات والكتب المطبوعة، يقدّر عددها بأكثر من 6 ملايين مجلد، و160.000 مخطوطة، 600.000 عنوان مجلة، 500.000 ختم ووسام ونميات، 5 ملايين صورة مطبوعة، 500.000 خريطة.
وتضم المكتبة طائفة ممتازة من المخطوطات العربية منذ القرن السادس عشر، ضُمت إليها من مكتبة «مازاران» ومن مكتبات الأديرة والكنائس، ومجموعات المستشرقين وعلى رأسهم العالم «شيفر»، ونشرت لها عدة فهارس أهمها فهرسا «دي سلين، وبلوشيه».
وفي كل عام تضيف المكتبة الأهلية بباريس مجموعات تحتل كيلو مترين من الرفوف للإضافات الجديدة من الكتب والأوعية المختلفة لحفظ المعلومات.
3- مكتبة الأسكوريال بمدريد:
تعدّ مكتبة الأسكوريال من أبرز معالم التراث الحضاري في إسبانيا، أنشئت في دير فخم شُيّد عام 1567م، ويبعد عن العاصمة 50 كيلو متراً، وهذه المكتبة التي تجتذب اليوم جمهرة الباحثين من أرجاء العالم، تكوّنت بداية من المكتبة الملكية الصغيرة، ومما كان يشتريه سفراء الملك فيليب من المخطوطات العربية التي سُلمت وجُمعت من «غرناطة» بُعيد سقوطها عام 1492م، كما ضُمّت إليها مؤلفات ومطبوعات من سائر مدن الأندلس.. ولما كان عصر الملك «فيليب الثالث» استولت السفن الإسبانية في مياه المغرب عام 1612م على سفينة مغربية كانت تنقل مكتبة سلطان فاس «زيدان»، وقوامها ثلاثة آلاف مجلد في مختلف العلوم والآداب والفنون، وبذلك بلغت المجموعة العربية في «الأسكوريال» نحو 10 آلاف مجلد.. وفي عام 1671م اندلع حريق في الدير، أتى على قسم كبير من هذه المخطوطات، ولم يسلم منها سوى ألفي مجلد، هي الموجودة في المكتبة اليوم.
وإلى جانب المخطوطات التي تضمها مكتبة الأسكوريال فإنها تحتوي على تحف فنية كتابية ليس لها مثيل في خزائن الشرق والغرب، ففيها مخطوطات كوفية وقيروانية وأندلسية ومصاحف مذهبة، ومخطوطات مصورة مزخرفة، وفيها جلود نفيسة وقماطر مطرزة أو مطعمة بالميناء، كما أن بعض المخطوطات جُلّدت بأديم الأفاعي وهذا من أندر أنواع التجليد وأغربها.
ولمخطوطات مكتبة الأسكوريال فهرس في ثلاثة مجلدات ضخمة إلا إنه لم يستوعب جميع المخطوطات فلا تزال بعض مجلدات في الطب والتاريخ الطبيعي والرياضيات والقضاء بحاجة إلى نشر فهارس لها.
ومن غير شك فهذه المكتبة مصدر هام جداً من المصادر التي يعتمد عليها المؤرخون والدارسون للوثائق والمخطوطات في العصور الوسطى، خاصة العربية، وهذه المكتبة تعد مزاراً سياحياً عظيماً نظراً لروعة مبانيها الجميلة وهندستها الراقية وما فيها من رسومات وزخارف فنية باهرة.
4- المكتبة الوطنية البريطانية:
تعدّ المكتبة الوطنية البريطانية أكبر مكتبة في بريطانيا، وكذلك من أهم وأكبر مكتبات العالم القومية وتعتبر جزءاً من المتحف البريطاني، وتوجد في مبناه ولكنها تتمدد في مجموعة أخرى من المباني القريبة أو البعيدة، ومنها مبنى حديث ضخم بالقرب من المكتبة الرئيسية التي تضم مؤلفات ومخطوطات شرقية وعربية.
أنشئت المكتبة عام 1753م، بمبادرة من أحد الفيزيائيين الأثرياء هو «السير هانزسالون» الذي أوصى بإهداء مجموعته القيّمة من الكتب إلى التاج الملكي أو البرلمان. وقد نظم "يانصيب" لشراء المجموعة، وتم حفظها في مبنى المتحف البريطاني.
افتتحت المكتبة عام 1759م وما لبثت أن ضاقت بمخزونها من المجلدات بعد اقتناء مكتبة الملك جورج الثالث عام 1823م فوُضعت خطة لإنشاء مبنى جديد بأربعة أجنحة ضخمة، أما قاعة المطالعة الكبرى التي تأسست عام 1857م، فقد تولى الإيطالي «أنطونيو بانيتزي» رائد الفهرسة الكبير، الإشراف على إنشائها وحفظ المجموعات النادرة فيها.
وتعتبر هذه القاعة الأكبر والأجمل تصميماً وزخرفة، وتتخذ شكلاً دائرياً تعلوه قبة شاهقة بقطر 40 قدماً وفي الوسط دائرة كاملة تضم فهارس الكتب، ويحيط بها على الجوانب ما يساوي 25 ميلاً من الأرفف تضم حوالي 10 ملايين مجلد، للتراث الإنساني و70 ألف مخطوط، 500 ألف مجلة، 100 ألف رسومات ولفائف، 500 ألف خريطة، مليون قطعة موسيقية، 3000 بردية يونانية ولاتينية ومصرية، 10 آلاف مجلد من أوائل عصر الطباعة.
* القسم الإسلامي في المكتبة: تحتفظ المكتبة في هذا القسم بنسخة من المصحف الشريف بالخط المغربي من عهد العرب المسلمين في الأندلس، وتعود إلى القرن السابع الميلادي وتعرض المكتبة نسخة من مصحف بالخط الكوفي من القرن التاسع الميلادي، وهي أبهى نسخة مزخرفة بالذهب تبرز روعة الخط العربي في المخطوطات الإسلامية.
وهنالك نسخة نادرة من مصحف السلطان بيبرس الثاني، تعود إلى عام 1304م في القاهرة، إضافة إلى نمنمة مصورة للمقامة الثانية والعشرين من مقامات الحريري، ومن جانب آخر توجد في محفوظات المكتبة مخطوطات نادرة بخط كبار أدباء الغرب كالشاعر كولريدج، والروائية شارلوت برونتي، والطبعة الأولى من أعمال ومسرحيات شكسبير إضافة إلى نوتات أصلية لأعلام الموسيقى في العالم، ووثائق تاريخية وخرائط وأطالس، والطوابع النادرة (6 ملايين طابع). وقد أصدرت المكتبة دليلاً شاملاً يسهّل للباحثين والرواد مهمة البحث والوصول إلى مختلف ألوان المعرفة والإبداع الفكري..
5- مكتبة الكونغرس في واشنطن:
لعلّها أكبر مكتبة في العالم، تضم في أبهائها كنوز المعرفة الإنسانية التي سجّلتها قرائح المفكرين المبدعين في كل مكان.
وتختلف المكتبة عن غيرها من المكتبات من حيث نشأتها، إذ تأسست بمجهودات رجال الكونغرس الأمريكي لتكون مرجعاً لهم ليطلّعوا على القوانين والأنظمة الوطنية والوقوف على تفسيراتها وتطبيقاتها وأن تمثّل مركزاً ثقافياً وتاريخياً ومكتبة قومية للولايات المتحدة.
كانت بداية نشأتها في عام 1800م، حين تمَّ استيراد 150 كتاباً في 740 مجلداً من إنكلترا تضم مؤلفات في القانون والاقتصاد والسياسة والتاريخ، وفي عام 1814م بلغ مجموع كتبها 3000 مجلداً، إلا أن حريقاً هائلاً دمّرها، وتركها كومة من الرماد. ولهذا عوّضت المكتبة مخزونها بشراء المجموعة الخاصة بالرئيس «جيفرسون» وتتكون من 6487 مجلداً، كان الرئيس قد جمعها طوال 50 عاماً من عمره.. ومثّلت هذه المجموعة النواة الجديدة للمكتبة التي وصل رصيدها إلى 82 مليون قطعة تشتمل على أشكال الأوعية الفكرية الإنسانية ابتداءً من أرواق البردي إلى المؤلفات المعاصرة. وينقسم هذا الرصيد إلى 30 مليون مخطوطة لكل ألوان الفكر الأدبي والتاريخي والسياسي والعلمي، وبينها ستة ملايين قطعة موسيقية من الكلاسيك إلى الروك أندرول، ومليون أسطوانة من الغناء الشعبي وأكثر من مليون شريط سينمائي، وخمسة ملايين ميكروفيلم، و13 مليون صورة أساسية لشخصيات عالمية وأحداث تاريخية و6 ملايين أطلس وخريطة وعشرون مليون كتاب، ورصيد المكتبة بمجموعه موجود بـ 470 لغة مختلفة.
كل ذلك المخزون الفكري الإنساني محفوظ في عدة مبان في قلب العاصمة «واشنطن» وفي ولايات أخرى وتوجد ثلاثة مبان في منطقة واحدة مرتبطة بعدة أنفاق تحت الأرض. أقدم هذه المباني «مبنى توماس جيفرسون» الذي تأسس سنة 1897م، وفيه القاعة الرئيسية للمطالعة وتقوم على ارتفاع 160 قدماً من قاعة المطالعة المثمّنة الشكل، وفيها 60 ألف مرجع، إضافة إلى جزء من الفهرس العام المشتمل على 25 مليون بطاقة.
- مجموعة الكونغرس العربية:
* يضم قسم الشرق الأوسط بمكتبة الكونغرس مجموعة من 150 ألف مجلة وكتاب تحصل عليها المكتبة من مركز تابع لها في القاهرة، يديره عالم متخصص في الدراسات العربية والإسلامية، يقوم بشراء المخطوطات والمؤلفات النادرة.
وأنشأت المكتبة قسماً خاصاً بالمعوقين يضم أكثر من 25.000 عنوان على أشرطة التسجيلات أو أسطوانات تعمل بطريقة «برايل».
وتحتوي مكتبة الحقوق على أقدم المجموعات القانونية في العالم يعمل بها متخصصون أكاديميون يمدون أعضاء الكونغرس بالمعلومات والقوانين المختلفة. وفي المكتبة إدارة خاصة للصور يبلغ رصيدها 13 مليون صورة نادرة تمد الباحثين بفيض هائل من المعلومات، وملحق بالمكتبة مركز أرشيف للأغاني الشعبية، وآخر للتراث الشعبي الأمريكي، إلى جانب قاعتين لتقديم العروض الموسيقية المجانية أسبوعياً.
وتساهم مكتبة الكونغرس في البرامج الثقافية فتدعو مشاهير الأدباء والشعراء من بلدان العالم لإلقاء محاضرات وعقد ندوات وأمسيات شعرية.
وأدخلت المكتبة مؤخراً خدمات أبحاث الكونغرس على الحاسوب، وبالذات ملخصات القوانين التي تضيف 30 ألف قانون كل سنتين، وأدخلت مجموعاتها من الكتب في سائر المعارف الإنسانية.
ولمكتبة الكونغرس 49 مكتباً في سائر مناطق العالم تشتري الكتب والمؤلفات التي تغطي كل جديد في حركة النشر العالمية على مختلف ألوان الفكر والفن والعلوم لتبقى أكبر وأهم مكتبة في العالم على الدوام.
6- المكتبة الوطنية الروسية «مكتبة لينين»:
تعدّ هذه المكتبة ثاني مكتبة في العالم بعد مكتبة الكونغرس من حيث مخزونها من المطبوعات والمخطوطات الوطنية والأجنبية.
تم تأسيس المكتبة في تموز/ يوليو عام 1861م كأول مكتبة عامة مجانية في موسكو، وكانت نواتها مجموعة من الكتب والمخطوطات تعدّ 100 ألف نسخة جمعها الأمير «نيقولاي روميانتسيف» وسلّمها ورثته للدولة الروسية، وأهدى المواطنون المكتبة مئات من مجموعات الكتب، وكان في عداد روادها العديد من الكتاب الروس الأعلام مثل: تولستوي، روييستفيسكي، تشيخوف، وكورولينكو.
جرى في العام 1915م ضم خزائن جديدة تتسع لـ 500 ألف مجلد، كما تم إضافة قاعات جديدة للمطالعة. وبعد عام 1917م بلغ مخزون المكتبة أكثر من 1.5مليون مجلد، وأصبحت في العام 1924م تحمل اسم «مكتبة لينين» الحكومية.. ثم بدّل الاسم من جديد عام 1992 إلى «المكتبة الوطنية الروسية».
ولما كانت المكتبة مجانية وعامة فإن الزائر يحصل على بطاقة اشتراك سنوي، تتيح له الاستفادة من مخزونها والخدمات العديدة التي تقدمها، ويبلغ عدد الراغبين في الاشتراك بها حوالي 200 شخصاً يومياً.. في حين يصل عدد روادها كل يوم إلى 5 آلاف زائر يتوزعون في قاعات المطالعة التي تتسع لألفي شخص، ويقوم الإداريون المتخصصون بتزويد المطالعين بما يقرب من 40 ألف كتاب يومياً، بصفة إعارة داخلية فقط.
أنشئت المكتبة الوطنية بداية ضمن أشهر وأجمل مباني موسكو الكلاسيكية وهو «دار باشكوف» بأمر من صاحبه «بيوتر باشكوف» مرافق قيصر روسيا، وتنتصب الدار على تلة مواجهة للكرملين، ويكفي المرء أن يلقي نظرة من علٍ إلى الكرملين وأن يتأمل أبراجه ومبانيه، وقد اشترت الحكومة الروسية المبنى، ونقلت إليه مجموعات الكتب والمخطوطات عام 1861م.
يتكون مبنى المكتبة الوطنية الروسية من ستة طوابق، اثنان منها تحت الأرض، ويحتويان على الكثير من المؤلفات والموسوعات والمخطوطات والخرائط والمعاجم والأطالس والشرائط الصوتية، والنوتات الموسيقية التي تعود إلى أكثر من 100 شعب من شعوب الاتحاد السوفييتي السابق.. إضافة إلى عشرات الألوف الأخرى من المطبوعات تتوزعها كتب المعارف العامة واللغات والفنون، والآداب والتاريخ والديانات والفلسفة والعلوم الاجتماعية والتقنية، والمخطوطات النادرة بـ 247 لغة أجنبية، لتكوّن بالمحصّلة (ذاكرة روسيا) المؤلفة من 42 مليون أثر محفوظ.
* ملايين الكتب والمخطوطات النادرة:
أبرز أقسام المكتبة:
- قسم المخطوطات (550 ألف مخطوطة) بينها مخطوطات يابانية وهندية وفارسية وعربية.
- قسم المخطوطات النادرة: (300 ألف أثر محفوظ) – قسم المطبوعات والرسوم (1.5 مليون أثر).
- قسم الأطالس والخرائط (250 ألف أثر) بعدة لغات أجنبية. – قسم الكتب والمطبوعات (16.5 مليون) نسخة.
- قسم المجلات (13 مليون) نسخة – قسم الجرائد (650 ألف ملف سنوي) – قسم السلاسل المتنوعة (1.2 مليون) نسخة.
- قسم النوتات الموسيقية والتسجيلات الصوتية (350 ألف نسخة) بينها ما يعود إلى القرن الخامس عشر الميلادي.
- قسم الوثائق والمستندات (3.5) ملايين نسخة – قسم الكتب السرية والوثائق غير المنشورة (1.2مليون) وحدة – قسم الميكروفيلم والأسطوانات والأشرطة (3.5 ملايين) وحدة – قسم المطبوعات العسكرية (580 ألف) أثر محفوظ – قسم الآداب الشرقية (650 ألف) وحدة موزعة على 160 لغة لشعوب آسيا وإفريقيا – قسم اللغة العربية (19 ألف) كتاب و(21 ألف) جريدة ومجلة عربية.
وتستخدم المكتبة الفهرس المطبوع الذي بلغ عدد بطاقاته عام 1997 (64 مليون) بطاقة فهرس.
مركز الأدب الشرقي: تحتضن المكتبة مركزاً للأدب الشرقي يحتوي على ما يزيد عن (35) ألف عنوان للكتب والنشرات الدورية، وفي خزانة المركز العمومية (800 ألف) كتاب في مادة الإسلام، إضافة إلى مجموعة غنية من القرآن الكريم بما فيها مخطوطات ثمينة.
المصادر:
* الكتاب وإنتاج المعرفة الإنسانية في الحضارات الأولى – محمد رجب السامرائي – الاتحاد الثقافي – آذار 2009.
* تاريخ الكتاب: الكسندر ستيشفتيش- ترجمة د. محمد الأرناؤوط – عالم المعرفة 196 – الكويت.
* المكتبات الكبرى في العالم: إبراهيم عبد الموجود حسن – الخفجي – السعودية.
* المكتبات في الإسلام: د. محمد ماهر حمادة – مؤسسة الرسالة/ بيروت.
* المكتبة الوطنية الروسية: حسين نصر الله – بيروت.
* المكتبة الوطنية البريطانية: وفيق صفوت مختار – الفيصل 399.
* ساعات في مكتبة الأسكوريال: عبد الله حمد الحقيل /الحج والعمرة/ السعودية.
المصدر : العدد 61 تموز 2012