زلازل، وثورانات، وأعاصير... تستثار الأرضُ بانتظام، فتعطي إشاراتِ. يعود ذلك إلى أنها آلةٌ حرارية معقدة ذات ماض صاخب. عودة إلى هذا التاريخ الموسوم بكوارث كبرى رسمت وجه كوكبنا.
الأرض تمتلئ بالصُهارة
منذ 4,5 مليار سنة
بعد ولادتها ببضع عشرات من ملايين السنين، كانت الأرض ما تزال عرضة لعمليات قذف شديد. حررت تصادماتها الباطنية المتعاقبة طاقةً عملاقةً صهرت جزءاً من مادتها. لم يكن سطحها سوى محيط من الصهارة magma مع حرارة تقارب 2000 درجة تتصاعد منها غازات مختلفة: الهيدروجين، وبخار الماء، وثاني أكسيد الكربون، والميثان، والآزوت، والسليليكات وغازات نادرة تُظْلم جواً ثخيناً وخانقاً. كان الضغط جهنمياً: أكبر بعشرات المرات من الضغط السائد اليوم. مع ذلك، كانت الحماوة المشعة في الفضاء تخفض هذه الحرارةَ، على نحو يكفي إلى بدء تصلّب الصهارة. بدأت أولى قِطَع قشرتها بالظهور، كأنها أطواف على صهارة لزجة.
من الطوفان ولدت المحيطات
منذ 4,4 إلى 4,1 مليار سنة
تمخضت القشرةُ الفَتِيّة عن ابتراد مفاجئ بعد أن أدت إلى توقف التبادلات الحرارية مع الخارج. النتيجة: تكثفَ بخار الماء الموجود في الجو، وسقطَ طوفاناً. وخلال أقل من مليار سنة، تشكلت محيطات. وبنتيجة الضغوط الجوية الهائلة (أعلى مما هي اليوم بـ 10 إلى 300 مرة) تراوحت حرارة المياه التي احتوتها هذه المحيطات بين 90 و300 درجة. وبقيت الأرض، التي كان عمرها آنذاك بين 100 و400 مليون سنة، موضعَ قذفِ مذنباتٍ وكويكبات. وكانت المذنبات والكويكبات التي يتجاوز قطرها 5 كم تفرِّغُ في أثناء الاصطدام بالأرض طاقةً تكفي لتبخير المحيطات كلها قبل أن يعود الجو ليبترد من جديد، تاركاً مياهه تسقط على شكل طوفان جديد. وتشكلت المحيطات مرة أخرى...حتى الاصطدام التالي.
الجبال تنبثق
منذ ما بين 4 و3 مليار سنة
بدت على الأرض علامات هدوء. وصلت المحيطات، منذ ما بين 3,9 و3 مليار سنة، إلى حجمها النهائي. وخلال هذا الوقت، تمزقت القشرة البازلتية الثقيلة، التي كانت قد بردت وتجمدت في بعض الأماكن على السطح، بتأثير وزنها الذاتي وحرارة الأعماق. تزلزلت الأرض؛ أما كتل البازلت الأثقل، التي غاصت في أعماق الأرض، فإن ماء المحيطات الذي تشربت به جعل حرارة انصهارها تهبط. ذابت إذاً في حمم حمضية صعدت إلى السطح حيث تجمعت في صخور أخف، غرانيتية: كانت هذه أولى القارات، التي تصطدم إحداها بالأخرى. وولّدت الهزات أوائل الجبال.
الجليد يغزو الأراضي والمحيطات
منذ 2,3 مليار سنة
تناوبت على الأرض، المعزولة عن حرارة الصهارة بقشرة ثخينة، الفتراتُ الجليدية والفترات الأكثر حرارةً. تغيرت خطوط عرض وتشمُّس القارات، المتحركةِ بشكل مستمر. أحدثت حوافُها المتغيرةُ تبدلاتٍ في التياراتِ المحيطية؛ في حين حوَّرت الجبالُ، المتولدة من تصادماتها، دورانَ الكتل الهوائية وأنظمةَ الأمطار. نجمت عن ذلك اختلافات حرارية مؤثرة جداً. وقعت الفترة الجليدية الأولى بين 2,6 و2,3 مليار سنة. ربما كانت الأرض آنئذ مغطاة بالجليد بالكامل. ستغدو كذلك من جديد منذ 750 مليون سنة مع حرارة وسطية – 40 درجة. لكن البراكين استمرت في إطلاق غازات في الجو. ازداد إذاً معدل ثاني أكسيد الكربون في الجو شيئاً فشيئاً واشتدت معه ظاهرة الدفيئة بالتدريج. تبع ذلك ذوبانُ جليد شديد ومفاجئ. استمر هذا الأمر حتى فترة التجلد التالية، بعد عدة عشرات من ملايين من السنوات.
بعد أن هدأت، ما تزال الأرض تزمجر اليوم
الكوكب الأزرق، هل هو هادئ؟ الصورة الهادئة التي نستشفها من الفضاء خادعة. ذلك أن طفولة الأرض المضطربة تركت آثاراً يتعذر محوها. وهكذا، تتصاعد تحت قشرتها الثخينة حتى الآن صهارةٌ حارقة، تنقذف في حبّات بركانية " قيحية ". يتعرض جلدها البازلتي والغرانيتي، المتصدع بشقوق تنفتح كلما كادت أخرى أن تندمل، إلى زلازل باستمرار حتى الآن. هذا بينما ما يزال جوه، الذي تكتسحه الرياح القوية حتى اليوم متخماً بالماء تحت المحيطات الاستوائية لتطلقها بغتةً بنتيجة تأثير تضاريس أو هبّة برد. متى إذاً غضبها القادم؟
تخفي في باطنها حرارةً ضخمة
كرة من الطاقة! تنطبق هذه الصورة بشكل ممتاز على كوكبنا، لشدة ما يخبئ في باطنه من حرارة ضخمة تراكمت وفق ما كانت تتعرض له من صدم الكويكبات، وما زالت تشكل مفتاح طابعها الغضوب. يخضع قلبُ الأرض الملتهب، داخل حيّزه المتجمد، الكوكب الأزرق، الذي يتسخن وجهه بالشمس ويبقى ظهره بارداً بظلمة الليل، ويتعرض لاختلافات الفصول الدورية، لتناقضاتٍ عديدة ويحتفظ بتوازنه بصعوبة. بذلك، فإن البراكين والزلازل، والأعاصير والعواصف والأمطار الطوفانية، من بين ظواهر أخرى، هي وسائل تفريغ لهذه الطاقات الطافحة المتراكمة. ذلك وبشكل خاص منذ أن تجسد المحيط الصهاري، الذي كان يغطي سطحه في البداية، على شكل قشرة حجرية، لأن الأرض، المحشورة منذئذ في هذا الغلاف الصخري، الذي يحصرها ويعزلها، لم تعد تشع حرارتها براحتها في الفضاء. إلا أن قلبها بقي حاراً جداً: بمعدل 4000 درجة على سطح النواة الخارجية.
إذاً، تعاني الأرض، الحارة جداً في الأسفل، والباردة في الأعلى، منذ مليارات السنوات، كأنها قِدْر متروك على النار، أو بالأحرى كأنها بقية طعام في فرن موجات ميكروية، لأن العناصر إشعاعية النشاط التي تحتويها، مثل اليورانيوم أو الثوريوم thorium، تسخنها من الداخل بشكل زائد عبر ثخانة وشاحها كله. ماذا كان يمكنها أن تفعل مع هذه الحرارة كلها؟ هل تتركها تنتشر ببطء نحو الخارج؟ لم يكن ذلك فعالاً كثيراً، وكان في الفيزياء حل أفضل: كي تفرغ الحرارة بشكل أسرع، بدأ مجملُ مادتها بالدوران. أخذت قِطَعُ الوشاح الأكثر "برودة "، والأكثف، بالغوصِ نحو القلب وبالتسخُّن أيضاً، بينما عادت القطع الساخنة، في حركة تعويضية، للصعود باتجاه السطح، ومن هنا أخذت تنشر طاقتَها بشكل أسرع. نشأت بذلك، ببطء، ببطء شديد، حركةٌ كبيرة لصواعد حرارية بنتيجة تعرض الوشاح، الذي تنتظم فيه هذه الحركات، لضغوط تتوافق وشدة صلابته.
كيف يمكن لكرة صلبة أن تنظّم، في داخلها، تيارات كبيرةً من المادة؟ مفهوم الصلابة نسبيٌّ تماماً في الميكانيكا ويتعلق إلى حد كبير بالمقياس الزمني المعني. هذا ما تؤكده الحقول الجليدية لجبال الألب التي "تتدفق"، رغم صلابتها، في الوديان دون أن تكون ملحوظة، وتسحب معها أحياناً، لمسافة مئات الكيلومترات، جسمَ شقيٍّ كان قد سقط في ثغرة. الشيء نفسه بالنسبة لوشاح الأرض: لو رصدناه على فترات طويلة كفايةً، لأمكننا أن نراه يتدفق مثل جسم عجيني، مشكِّلاً حركات حمْلٍ حراري convection كبيرةً، بسرعات معدلُها بضعة... مليمترات في السنة.
الكتل تتصادم
حركات الحمل الحراري هذه فعالة للغاية في نقل الحرارة. إلا أن سطح الأرض – أو الغلاف اليابس lithosphère -، المغطى بقشرة حجرية محيطية océanique أو قارية، يمنع بشكل قوي تبادلاتِ الطاقة نحو الخارج. تبقى الحرارة التي تدور في الداخل محصورةً إذاً تحت الكيلومترات الأخيرة.
إذاً، ما كان يجب أن يحصل ذات يوم، قد حصلَ: تكسَّر هذا الغلاف. متى وكيف؟ لا أحد يعرف ذلك. ربما منذ وقت باكر جداً، عندما لم يكن عمر الأرض، على الأكثر، سوى نحو مئة مليون سنة. تراكمت " فقاعات " من المادة الحارة من جانب، وكتلٌ من القشرة الباردة الكثيفة جداً من جانب آخر. باختصار، أصبحت الضغوط قوية إلى درجة أن الغطاء تصدع. وأخذت كتلةٌ ضخمة من القشرة المحيطية تغرق في الوشاح. وربما تبعتها غيرُها، قبل أن تتشكل القشرة من جديد.. وتتكسر مرة أخرى.
رتبت الأرضُ هذه التكسرات على نحو أدق بطول عدد كبير من الصفائح plaques. وككرة قدم، تحول سطحها إلى خليط قشري من الصفائح الصلبة، ضامّاً أيضاً محيطات وقارات قادرة على التحرك ببطء بعضها نحو البعض الآخر على وشاح أكثر " رخاوة " بقليل. ما الذي يحرك هذه الصفائح الثقيلة؟ إنها الثقالة gravité بالتحديد. يتثخن الغلاف اليابس المحيطي، على السطح، كلما ابترد. يصبح بذلك أثقل فأثقل. وينتهي الأمر به بالغوص، محمولاً بثقله الذاتي، في أعماق الوشاح؛ لاسيما وأن التحولات الكيميائية التي ترافق هبوطه تجعله أثقل أيضاً. يؤدي هذا الهبوط المادي البارد، بالتأثير الموازِن، على مسافة مئات الكيلومترات من هنا، إلى صعود المادة الحارة، التي تليِّن القشرة. تنجذب هذه القشرة نحو الأسفل من جانب، بعد أن تصبح هشة بفعل الحرارة أو التآكل الخاص من جانب آخر، وينتهي المطاف بها بالتحطم على شكل خنادق انخسافية فاغرة.
منذئذ، يظهر على الأرض نوعان من الندوب: مناطقُ اندساس (انغراس) subduction من جانب، تحت المحيطات، حيث تغوص المادة الباردة والثقيلة في الوشاح؛ أو ظهورٌ (مرتفعات محيطية) dorsales من جانب آخر، حيث يعود، على العكس، بعضُ الوشاح للصعود من الأعماق متحولاً إلى سائل صهاري، ومفرِّغاً بذلك الحرارة الآتية من الأعماق. يشكل هذا السائل الصهاري، عندما يبترد، قِطَعَ قشرةٍ جديدةً تنجرف بدورها نحو منطقة الاندساس.
لا تَحْدث هذه الحركات للأسف دون تصادمات. تتصادم الكتل، صفيحة مع صفيحة، وقارة مع قارة. وتتراكم ضغوط ثم تتحرر على شكل زلازل. فضلاً عن ذلك، رسم هذه الصفائح على خريطة لكوكب الأرض عملٌ سهل جداً: يكفي نقْل مجمل الزلازل التي تهز الكوكب بانتظام إلى خريطة تمثل العالمَ. تحدد الخطوطُ التي ترسمها في نهاية الأمر تخومَها المختلفة، بصورة سحرية.
عندما يتحرك كوكب الأرض للتخلص من زِحام ما، يتصرف بشكل صلب وعنيف.. خصوصاً حول حُفَر الاندساس، هنا حيث تغوص صفيحة تحت أخرى. تغدو التفاعلات في هذه المنطقة أكثر عنفاً. من الناحية المنطقية، يدفع المحيط الهادئ، الذي يضم معظم مناطق الاندساس، ثمناً باهظاً إذاً لفورات غضب الأرض الداخلية.
أرض التضادات
هل تمكِّنها فورات الغضب هذه فعلاً من تفريغ فائض طاقتها؟ لنُقِرّ بأن الحصيلة ضعيفة بالأحرى: لا تفقد الأرضُ سوى مكافئ 40 تيراواط térawatts (تيرا: بادئة تعني مليون مليون؛ وكل 1 تيراواط يساوي 1 تيراجول térajoule في الثانية)، أي وسطياً ما معدله 80 ميلّي واط milliwatts (الميلي واط = 10 - 3 واط) في المتر المربع، وهو ما لا يغذي حتى لمبة صغيرة. هذا دون حسبان أن نشاطها الإشعاعي الداخلي يجعلها تحصل على 20 تيراواط. النتيجة: لم تبترد الأرض، خلال 4,5 مليار سنة، إلا بمعدل 400 درجة تقريباً، حيث أن الحرارة عند قاعدة الصفائح المحيطية تقارب 1300 درجة حالياً، مقابل 1700 درجة تقريباً حينما اتخذ سطحُها شكله النهائي. إذاً، لم تكن لتنتهي من الزلازل والبركنة volcanisme خلال مستقبل قريب.
هذا خصوصاً وأن الشمس مستمرة، من جانبها، في تسخينها. تحقنها أشعتُها بـ 342 واط في المتر المربع. تعكس الأرض والجو من هذه الأشعة 30% بشكل مباشر باتجاه الفضاء. لكن البقية تُمتَصّ، قبل إطلاقها من جديد بأشكال أخرى. المشكلة: هذا الاحترار غير متناسق أبداً. نهار مقابل ليل، ونصف كرة جنوبي مقابل نصف كرة شمالي، وخط استواء مقابل قطبين: تتراكم التضادات، التي تعمل الأرض على الموازنة بينها، هنا أيضاً، قدر ما تستطيع. ذلك، هذه المرة، من خلال حركات هوائية وبحرية، أسرع بما لا يقارَن، لكنها منشأُ فورات غضبٍ إضافية. رياح عنيفة تعصف بين مناطق باردة وحارة، وتبخّرُ محيطٍ زائد التسخّن يسقط طوفاناً عندما يعود هذا البخار ليتكثف في مطر أو ثلج حين بلوغه الارتفاعات الباردة. تتولد من حالات اللاتوازن الدائمة هذه حركاتٌ عنيفة يدفع الإنسان ثمنها رغماً عنه. إلا أن ذلك أفضل من كوكب ميت دون شك.
كيف تشكلت
ربما تكون خمس مراحل، على مدى عدة ملايين من السنوات، قد أتاحت الانتقال من سحابة بين نجمية أصلية إلى مجموعتنا الشمسية، حسب معطيات علماء الفلك.
انهيار السحابة الجزيئية:
آلت سحابة بين نجمية في حالة دوران، قوامها غازات بنسبة 90% وحبيبات بنسبة 1%، إلى الانهيار على نفسها تحت ثقل كتلتها، منذ نحو 4,56 مليار سنة. تركز معظم مادتها في قلبها وولَّدت نجماً، أكثر إضاءة وبرودة من اليوم. أدى حقل النجم المغناطيسي وسرعة دورانه العالية جداً إلى انبعاث مقذوفات من الجسيمات المشحونة بالطاقة بطول محور دورانه. وشكل الغاز والغبار، اللذان انبعثا من تشكل هذا النجم، قرصاً كوكبياً بدئياً ثخيناً وحاراً امتد على مسافة عشرات الوحدات الفلكية (الوحدة الفلكية تساوي 1,5.108 كيلومتر). وقد وجدت فيه كل عناصر جدول مندلييف الكيميائية، وفقاً للغزارة الكونية لكل منها، لكن أكثرها هو الهيدروجين والهليوم. تباينت الحرارة في قلب القرص وفقاً للبعد عن الشمس وتكيِّف الحالة (الغازية أو الصلبة) التي توجد فيها المادة. وشكل خطُّ الجليد الحدَّ الذي تتحول جزيئات الماء بدءاً به إلى الحالة الصلبة. تشكل جليد الماء ما وراء هذا الخط الحدّي، وتشكل أيضاً الميتان وثاني أكسيد الكربون والنشادر، المواد الأساسية التي تتكون منها نوى الكواكب العملاقة. ولم يكن ممكناً أن تتكثف ما دون هذا الخط سوى المعادن والصخور، التي لا يمكن أن تتشكل منها، نظر لقلتها، سوى كواكب أرضية متواضعة الحجم.
ترقُّق قرص التكتل:
كانت الحبيبات في القرص البدئي محمَّلة في الغازات، ثم تراكمت في نُدَف. وعندما أصبحت بالحجم الذي يكفي للتأثر بالجاذبية التثاقلية التي تولّدها الشمس، سقطت " الحبيبات " الميكرومترية وتركزت بالمستوى الأوسط من القرص خلال بضعة آلاف من السنوات. ثم، وعبر حركات تصادم عديدة، ازدادت هذه الأجسام بطريقة التكتل (التنامي) وبلغت أحجاماً سنتمترية بسرعة، ثم مترية. وفي هذه المرحلة، أدت حركات الاحتكاك مع الغاز الموجود في القرص إلى إبطاء حركة هذه الأجسام ودفعها إلى الدوران في مدارات أقرب إلى الشمس. سهل ذلك تبخرها، أو حتى سقوطها في النجم. وكان عليها أن تتزايد بأسرع ما يمكن كي تضمن استمرارها.
قرص كويكبات:
بعد تصادمات دامت عشرات الآلاف من السنوات، وصل قطر الأجسام إلى كيلومتر. وأمكن الحديث حينذاك عن كويكبات. وكان حجمها عنصراً حاسماً: لزم أن تكون كبيرة الكتلة بالدرجة التي يمكن لحقل جاذبيتها أن يترك خللاً في مسارات مثيلاتها وإحداث تصادمات أخرى. تعلق معدل تكتل الكويكب أيضاً بسرعته النسبية قياساً بالأجسام التي صادفها: إذا كانت سرعته عالية كثيراً، لا يستطيع الكويكب الاصطدام إلا بالأشياء المارة أمامه؛ وعلى العكس، إذا كانت سرعته ضعيفة، تعمل جاذبيته على سحب مواد من مسافات أبعد، فتزيد بذلك فرص الاصطدام لديه. أن منطقة تأثير الكويكب في المجموعة الشمسية الداخلية هي بحدود 0,01 وحدة فلكية. يكتسب كل جسم إذن تركيبات كيميائية مختلفة. وفي المجموعة الشمسية الخارجية، انتهى تشكل كوكب المشتري، من خلال مخزون المادة الهائل الواقع ما وراء خط الجليد، في غضون 2 إلى 3 مليون سنة فقط. وأتاحت له نواته الضخمة، التي تكبر كتلة كوكب الأرض بنحو عشر مرات، اجتذاب وتراكم الغازات المحيطة. وقد عمل حقل جاذبيته على إعاقة تشكل أي كوكب أرضي (صخري) tellurique بجواره، وكان السببَ أيضاً في نشوء حزام من الكويكبات.
قرص أجنّة:
بعد نحو عشرة ملايين سنة، تشكلت الكواكب الغازية العملاقة أو الجليدية. ومسحت رياحٌ شمسية قوية بقايا الغاز الموجود في القرص. شملت المرحلة الأخيرة من التراكم إذاً المجموعة الشمسية الداخلية: أدت حركات التصادم والتآثر التجاذبي إلى تشكل بضع دزينات من الأجنّة الكوكبية، بقطر بضعة آلاف من الكيلومترات. وكان التوزع الشعاعي القائم حتى ذلك الحين مضطرباً بفعل حركات الجذب والنبذ. النتيجة: مثلت الكواكب التي انحدرت منها مزيجاً من المادة الآتية من منطقة بعيدة من المجموعة الشمسية، ولو أن المادة المتكتلة في الجوار المباشر هي الغالبة. ومن هنا كان للكواكب الداخلية تركيب مختلف. تتشكل الأرض والزهرة من اثني عشر جنيناً، وربما كان للمريخ وعطارد جنين واحد.
قرص كواكب:
انتهى المطاف بحرارة قلب الشمس بأن بلغت عدة ملايين من الدرجات وأمكن لتفاعلات انصهار الهيدروجين في الهليوم أن تنطلق. وأدى اصطدام عنيف بين الأرض، المكتملة تقريباً، وجسم بحجم المريخ إلى ولادة القمر، احتمالاً. وبعد هذا الحدث، وصلت الأرض إلى 99% من كتلتها الحالية وتغطت بمحيط من الصهارة بعمق مئات الكيلومترات. وانطلقت مرحلة من القذف النيزكي الشديد واستمرت عدة مئات من ملايين السنوات. وشكل تكتل المادة الآتية من حزام الكويكبات السيارة مصدراً ضخماً للماء والعناصر الطيارة بالنسبة لكوكبنا.
عن Science & Vie, mars 2011,hors série
المصدر : العدد 61 تموز 2012