التراث الثقافي العالمي هو تلك الإنجازات الرائعة التي شيدها أجدادنا وتركوها لنا، وكل ما نرثه من الماضي، وما نعيش معه في الحاضر لنورِّثه لأجيال المستقبل، ويُعدُّ هويةً للشعوب ماضياً وحاضراً ومستقبلاً. وهذه الإنجازات ما هي إلا نتاج جهودٍ دامت قروناً طويلة، وتُعَدُّ مصدراً لا بديل عنه للحياة والإلهام والاستمرار، ويُفترض وجود مسؤولية جماعية ومشتركة لحمايتها، فهي ليست أبدية، وإذا تعرَّضت إلى إهمال أو تلف، فسوف تضيع ونفقدها إلى الأبد. وإنَّ مما يجعل من مفهوم التراث الثقافي العالمي مفهوماً استثنائياً هو تطبيقه الشامل، فمواقع التراث الثقافي العالمي تنتمي إلى جميع شعوب وسكان العالم بغضِّ النظر عن أماكن وجودها، وهذا هو أحد الوجوه الإيجابية ل: "العولمة".
وإذا كان التاريخ يصمت أحياناً عن اندثار وتلاشي الشعوب القديمة، إلا أن آثارهم الباقية لا تفعل ذلك أبداً، فالصروح العظيمة والمنشآت الضخمة التي تركها لنا الأجداد، تبقى منتصبةً شامخةً لتشهد على خلود بُناتها ومشيِّديها، مهما تباعدت الأيام والسنوات والعقود والقرون، وكل أمةٍ من أمم الأرض تحرص حرصاً شديداً على إزالة طبقات الطين المتراكمة والمتعاقبة على مدنها المطمورة، وتنفض الغبار عن آثارها المندثرة، وتستميت في الحفاظ على كنوزها المكتشفة، وترَمّم ما يمكن إصلاحه، وتصون بالحفظ والرعاية الصالح منها، وتتجادل ببراهين وإثباتاتٍ وحقائق، مع أن بعضها فرضي وجدلي، على انتمائها لها، وانتسابها لشعبها، وهي لذلك تتفاخر بها وتعتز، لتحجز لنفسها مكاناً متميزاً في ذاكرة العالم الأبدية وتاريخه السرمدي. وكلما كان التقارب والدمج بين الماضي والحاضر قوياً ومتماسكاً، كانت قدرة الشعوب على مواجهة بعضها بعضاً أثرى بُعداً وأكثر تأثيراً وأعمق ترسيخاً، فالأمم والشعوب تقاس قوتها بمدى محافظتها على آثارها وتراثها وتاريخها وحضارتها.
ففي عالم اليوم يوجد نحو (3200) موقع ثقافي وطبيعي ومختلط، والفئة الأخيرة تأتي نتيجة تفاعلٍ وتقارب بين الإنسان والطبيعة المحيطة به. تشمل هذه المواقع مبانيَ رائعة ونصباً تذكارية وآثاراً تاريخية وقطعاً نادرة ولقى أثرية وأعمالاً فنية ومحمياتٍ طبيعية، وكلها تتميَّز بقيمةٍ عالمية، وتتبوأ منزلةً رفيعة، فهي لا تخصُّ شعباً بعينه، أو أمة بذاتها، أو دولة محدَّدة، وإنما هي ملك البشرية جمعاء، ويتطلَّب حمايتها والدفاع عنها وصيانتها بذل جهودٍ عالمية مشتركة, فالحروب والنزاعات المسلَّحة والتلوُّث الصناعي واستصلاح الأراضي لزراعتها والمشروعات العمرانية وانتشار المباني العشوائية وامتداد الطرق السريعة واستثمار المناجم والسياحة غير المنظمة والمفرطة، كلها مخاطر عالية الدرجة تهدد تراث الإنسانية بالفناء والزوال.
وهناك أيضاً التراث الثقافي العالمي غير المادي مثل الموسيقى والرقص والأدب الشعبي والمسرح واللغات والاحتفالات الدينية والمناسبات التقليدية، التي تحظى بالاهتمام والرعاية المحلية والعالمية.
إنَّ أسوأ الأخطار التي تهدد مواقع التراث الثقافي العالمي هي الحروب، وقد ظهرت أول فكرة لقيام تحرك دولي لحمايته غداة الحرب العالمية الأولى (1914- 1918). لكنَّ هذه الفكرة لم تر النور إلا في أوائل سبعينيات القرن العشرين، عندما نادت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" بضرورة حماية هذا التراث، ودعت دول العالم لتوقيع الاتفاقية الخاصة بحماية التراث العالمي بشقيه الثقافي والطبيعي، وإنشاء مركز التراث العالمي، وهذا ما حدث بتاريخ 16/11/1972 في العاصمة الفرنسية باريس التي تحتضن مقرَّها، وذلك خلال المؤتمر العام لليونسكو في دورته السابعة عشرة، وقد زاد عدد الدول الموقِّعة على هذه الاتفاقية حتى الآن (2012) عن مئة وخمسة وسبعين.
غير أن التوقيع على اتفاقية التراث الثقافي العالمي في عام (1972) كان قد سبقته وتبعته مراحل أو خطوات عِدَّة، ندرجها فيما يلي بشكل مختصر:
- 1959: اليونسكو تطلق حملة عالمية وتجمع ثمانين مليون دولار لإنقاذ معابد "أبو سمبل" في وادي نهر النيل بمصر، المعرَّضة لغمرها بالمياه بسبب بناء السد العالي.
- 1962: اليونسكو تُقَدِّمُ توصياتها واقتراحاتها بشأن حماية جمال المواقع والمناظر الطبيعية وصفاتها.
- 1965: مؤتمر في العاصمة الأمريكية واشنطن يدعو لإنشاء "صندوق التراث العالمي" بهدف حماية المناطق الطبيعية ذات المناظر الخلابة والمواقع التاريخية.
- 1966: اليونسكو تقود حملة عالمية لإنقاذ مدينة البندقية (فينيسيا) في إيطاليا، وذلك بعد الفيضانات الكارثية التي ضربتها.
- 1966: الاتحاد العالمي لصون وحفظ الطبيعية يطرح على أعضائه اقتراحاً بإنشاء صندوق شبيه بصندوق التراث العالمي، الذي جرى اقتراحه بواشنطن في عام (1965).
- 16/11/1972: المؤتمر العام لليونسكو في باريس يُقِرُّ في دورته السابعة عشرة "اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي".
- 1987: الإعلان عن أول قائمة لمواقع التراث العالمي، وتضم اثني عشر موقعاً. ثم أخذت القائمة تتسع سنةً بعد سنة، حتى صارت تضم حتى العام (2012) أكثر من (900) موقع موزَّعة - بشكل غير متساوٍ- على نحو (145) دولة، يُضاف إليها نحو ثلاثين موقعاً كل سنة. وفي الإجمال هناك نحو (3200) موقع قدَّمتها الدول الأعضاء مواقعَ فريدة مرشحَّة لضمِّها إلى قائمة التراث العالمي.
- 1992: الذكرى العشرون لاتفاقية التراث العالمي وتأسيس مراكز التراث العالمي في اليونسكو، وقبول لجنة التراث العالمي لفئة المواقع الطبيعية الثقافية لتصبح مشمولة بالاتفاقية.
- 1994: اليونسكو تطلق حملة عالمية لمشاركة الناشئة في مشاريع الحفاظ على التراث العالمي وتطويره، بهدف إيجاد وسائل تعليمية جديدة تشجِّعهم على المشاركة في حماية التراث وصيانته.
- 1995: انتخاب واحد وعشرين ممثلاً للدول الموقعة على اتفاقية حماية التراث الثقافي العالمي، وهم يُشَكِّلون ما يُعرف اليوم باسم: "لجنة التراث العالمي" التي تجتمع مرة واحدة في كل عام بمكانٍ مختلف، وتشمل مهامها وضع الخطوط العامة لعملية اختيار الآثار والنصب التذكارية، والتوصية بقبولها في قائمة التراث العالمي.
- 2002: منظمة الأمم المتحدة تعلن أن عام (2002) عاماً عالمياً للتراث الثقافي.
- 2002: بمناسبة الذكرى الثلاثين لتوقيع اتفاقية التراث العالمي، منظمة اليونسكو تنظم بالتعاون مع الحكومة الإيطالية مؤتمراً دولياً بعنوان: " التراث العالمي إرثٌ مشترك ومسؤولية جماعية " في مدينة البندقية (فينيسيا)، بهدف تقييم السنوات الثلاثين التي مضت على تطبيق اتفاقية التراث العالمي، وتمتين وتقوية الشراكات من أجل الحفاظ على التراث العالمي.
تهدف اتفاقية حماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي، التي صارت من أشهر وأهم الآليات الدولية لحماية التراث العالمي ذي القيمة العالية المميزة، تهدف إلى تعزيز وسائل مركز التراث العالمي في مواجهة المخاطر التي تهدد العديد من المواقع التراثية في أنحاء العالم، وتجنيد المجتمع العالمي ودعم جهوده للتعرف على المعالم الثقافية والطبيعية ذات "القيمة العالمية المتميزة"، ووضع القوائم الخاصَّة بهذه الآثار التاريخية المهمة، التي تقع مسؤولية حمايتها على عاتق البشرية جمعاء، إلى جانب تحقيق التعاون بين الناس والشعوب والدول، وتشجيعهم على المساهمة في هذه المهمة السامية النبيلة الخالدة.
تعتمد آلية تنفيذ اتفاقية حماية التراث العالمي على تقارير منتظمة تُعِدُّها الأطراف الفاعلة المعنية بتطبيق الاتفاقية وحالة الممتلكات، وتستهدف هذه التقارير تحقيق أربعة أغراض رئيسية هي:
- تقدير مقدار تطبيق الدولة الطرف لاتفاقية التراث العالمي.
- تقدير ما إذا كانت الممتلكات المدرجة في قائمة التراث العالمي ما زالت تحافظ بمرور السنوات على القيم التي أصبحت من أجلها ضمن لائحة التراث العالمي.
- توفير معلومات واضحة عن ممتلكات التراث العالمي لتدوين ما قد يحدث من تغيير في الظروف المحيطة بهذه الممتلكات ومدى المحافظة عليها.
- توفير آلية للتعاون الإقليمي وتبادل المعلومات والخبرات بين الدول والأطراف في ما يتعلق بتطبيق الاتفاقية وصون التراث العالمي.
ثم تُرفع التقارير إلى لجنة التراث العالمي، حيث يجري تحليلها ودراستها في نطاقها الإقليمي، وبالتالي إعداد تقرير إقليمي عن حالة التراث العالمي فيه، وتستجيب لما تَضَمَّنه التقرير عن حالة التراث العالمي عبر توصيات موجهة إلى الدول الأطراف، وتستخلص نتائج معيَّنة في رسم سياساتها واتخاذ قراراتها، ومن ثم تدرِج ذلك في تقريرها إلى المؤتمر العام لليونسكو.
يأتي ازدياد عدد المواقع التراثية نتيجة تغير وتطوُّر مفهوم التراث، ففي حين اقتصر في المرحلة الأولى على الصروح والروائع المعمارية الهندسية وأملاك الدولة والمحميات الطبيعية العذراء، صار الآن يطال المراكز التاريخية للمدن، ويطال التراث الصناعي، مروراً بالمناظر الثقافية والمحميات الواسعة ذات التنوع البيولوجي، بما فيها المواقع المغمورة بالمياه والمواقع الجيولوجية أو المُتحَجرة، والمنشآت الهندسية الحديثة، والأنهار والأقنية، والمساحات المتوارثة منذ القدم مثل: حقول الأرز الشاسعة في آسيا، وحتى مواقع الرعي للقبائل الرحَّل والمواقع المقدسة، ولا شكَّ في أن حماية هذه المواقع تُمكِّن - في الوقت نفسه- من حماية تراث الشعوب الأصلية من الاندثار والتلاشي.
إنَّ العدد الأكبر من المواقع التي يحتويها سجل التراث العالمي والمنتمية رمزياً إلى البشرية جمعاء هي في وضع حماية لا بأس به، لكنَّ هناك مواقع أخرى عرضةً للتخريب بنسبٍ مختلفة ولأسبابٍ متعدِّدَة، كالتلوث الصناعي والسلب والسرقة والأعمال الحربية والسياحة المفرطة، فهذه كلها عوامل تضرُّ بهذه المواقع، التي يعاني بعضها من الفقر والبؤس والعنف، والبعض الآخر من تدهور أحوال البيئة المحيطة بها، وبالإضافة إلى ذلك تُسَجَّلُ ظاهرة عدم إدراك أهمية التراث ونقص في الإمكانات من أجل احترامها.
فالتراث الثقافي العالمي هو أحد الوجوه الإيجابية للعولمة، وحمايته يتطلب تعاوناً مشتركاً بين الحكومات وقطاعات المجتمع المختلفة، فهو مسؤولية جماعية وليس مسؤولية الدولة والمنظمات الدولية المعنية فقط. وقد قام مركز التراث العالمي بتصنيف نحو خمسةٍ وثلاثين موقعاً تراثياً معرَّضاً للخطر حتى العام (2012)، وهو يستثمر نحو أربعة ملايين دولار سنوياً لمساعدة الدول التي تعاني وضعاً صعباً إثر الكوارث الطبيعية أو غيرها، ويقدِّم لها مساعدات عاجلة.
ويلتزم الموقعون كافة على اتفاقية التراث العالمي بتقديم دعم مالي لحماية المواقع المسجلة على القائمة، وتقديم المساعدة للمواقع المعَرَّضة للخطر في جميع أنحاء العالم، فإذا بدأ موقعٌ ما يفقد قيمته بسبب كارثةٍ طبيعية أو حرب أو تلوث أو انعدام الأموال، فإنه يتعيَّن على الدولة الموقعة على الاتفاقية أن تمدَّ يد المساعدة - أن أمكن - لحملات المساعدة الطارئة.
وفي الواقع فإن ضمَّ أي موقع إلى قائمة التراث العالمي ليس أمراً سهلاً، بل هو عملية معقَّدة، فالترشيحات تأتي من أي دولة وقَّعت على اتفاقية التراث العالمي، ويجب على الدول المرَشِّحة أن تحدد الموقع، وتصدر قانوناً لحمايته، وتقدم خطة مفصلة لإدارته، وتعرض معلومات مفصَّلة عن الوضع السياحي، وأخيراً إقناع القائمين على مركز التراث العالمي في باريس بأن هذا الموقع يتمتع بأهمية عالمية مميَّزة.
وبعد استلام تقييمات مستقلة، تقوم لجنة التراث العالمي في اجتماعها السنوي باختيار المواقع التي تستحق إدراجها في القائمة، مُتَّخِذَةً عبارة " أفضل الأفضل " معياراً في القبول أو رفض الترشيحات. ولا تعمد اليونسكو – عادةً - الكشفَ عن المواقع المرشَّحة للانضمام إلى لائحة التراث العالمي، حرصاً منها على تجنُّب تسييس المناقشات، وقد أخذ الاتجاه منذ سنوات يميل إلى التشديد، وتفضيل المواقع الطبيعية التي لا يتدخل فيها عمل الإنسان.
ولهذا فإن دول العالم تتنافس وتتسابق للحصول على ختم الموافقة على انضمام مواقعها التراثية لقائمة التراث العالمي، لأنَّ ذلك يجلب المكانة الرفيعة للبلاد، والدخل المالي من السياحة، والوعي الجماهيري، والأهم من ذلك هو الالتزام بإنقاذ ما لا يمكن تعويضه. غير أن انضمام موقعٍ ما إلى قائمة التراث العالمي قد يكون سلاحاً ذا حدَّين، فالسياح المتعَطِّشُونَ لرؤية مكانٍ ما، غالباً ما يتبعهم المستثمرون فوراً، هذا إذا لم يذهبوا قبلهم ليتأهَّبوا لاستقبالهم، لأنَّ هذه الأمكنة تتمتَّع بقدراتٍ إضافية ومميزاتٍ عالية وإمكاناتٍ مفتوحة لجذب السياح، والجميع يعلم مقدار ما تُسبِّبهُ السياحة من تلوثٍ بيئي واستنزافٍ للموارد، إن لم تُدَر بشكلٍ عقلاني ورشيد.
لقد حقَّقَ برنامج التراث العالمي نجاحاتٍ كثيرة على مستوى عالٍ، فالصلاحيات التي تمنحها اتفاقية عام (1972)، وفوائد الحوار، قد ساعدا في السنوات الأخيرة على تأجيل، بل وحتى إيقاف، المشاريع التي تمثِّل خطراً كارثياً محتملاً على المواقع الكبرى للتراث العالمي.
فقد مارسَ هذا البرنامج ضُغوطاً لوقف شقِّ طريق سريع بالقرب من أهرامات الجيزة في مصر، وأغلق منجماً للملح في مناطق تفريخ للحوت الرمادي في المكسيك، وعمل على إلغاء اقتراح بإقامة سد فوق شلالات فيكتوريا على نهر الزامبيزي بين زامبيا وزيمبابوي، ومنع مشروع مصنع جرى التخطيط لإقامته بجانب معبد "أبولون" في اليونان، كما منع أيضاً بناء مجمع سكني بأحجامٍ كبيرة بالقرب من قصر "صان سوسي" في مدينة بوستدام الألمانية.
وفي تاريخٍ قريب (مطلع القرن الواحد والعشرين)، وعلى الرغم من اندلاع الحرب الأهلية، فقد تخلَّت حكومة سريلانكا عن مشروع توسيع مطار عسكري بجوار موقع "سيغيريا" العريق، ولقي مشروع "متنزَّه دراكيولا" في رومانيا إلى جانب موقع "سيهيسوارا" المصير نفسه، وتأجَّل مشروع شقَّ طريقٍ في مدينة دمشق القديمة، بضغوطٍ وتوجيهاتٍ من برنامج التراث العالمي.
وطالبت منظمة اليونسكو المجتمع الدولي بالتدخل لحماية الممتلكات الحضارية والتراث الإنساني ومعالمه التي ظلت شاهدة على الإبداع الإنساني في لبنان، وذلك بسبب العدوان الصهيوني الذي تعرَّض له هذا البلد العربي في صيف عام (2006)، وفي مقدِّمة هذه المعالم مدينتا بعلبك وصور المدرجتان على لائحة التراث العالمي. كما حثَّت اليونسكو السلطاتَ اليمنية على تنفيذ التزاماتها بالحفاظ على مدينة صنعاء القديمة، المدرجة في القائمة، وهدَّدت بسحبها منها إن لم يتعامل اليمنيون بجدِّية مع هذا الأمر.
وفي العديد من الحالات ليس تدخُّل لجنة التراث العالمي بالأمر السهل واليسير، فمع امتلاكها صلاحية إدراج المواقع على قائمة التراث، فإنها تبقى أحياناً غير قادرةٍ على إجبار الدول ذات السيادة على اتخاذ التدابير المطلوبة والإجراءات العاجلة، فكيف بالتدخل من دون موافقة هذه الدول. وتمارس بعض هذه الدول الضغوط كي لا تُدرج المواقع على قائمة تلك المعرَّضة للخطر بدون موافقتها المسبقة، علماً أن الوثائق التي تنشرها الجمعيات أو الأفراد حول الاعتداءات على التراث، باتت اليوم - مع توافر وسائل وتقنيات الاتصال الحديثة - تصل مباشرةً إلى حواسيب الحكومات ومنظمة اليونسكو التي لا يمكنها تجاهلها بسهولة.
ويعتمد البرنامج على قوى الإقناع العقلاني والرشيد أكثر من اعتماده على التهديدات القانونية، مع أن مسؤولي اليونسكو يقولون: "إنَّ اتفاقية التراث العالمي تحتاج إلى قوةٍ قانونية وتعليماتٍ تنفيذية تشمل استخدام العقوبات الاقتصادية إذا لزم الأمر"، ولكن بعد مرور أربعين عاماً (1972 – 2012) على انطلاق مبادرة التراث العالمي، فقد أصبحت – فعلاً - قوةً لا يمكن الاستهانة بها لحماية الأماكن الثقافية المميزة في العالم، مُعتمدَةً ومرتكزةً على جهازٍ عامل يملك القدرة على دراسة وتفسير الماضي وصلته بالحاضر.
والأموال التي لدى البرنامج، التي تتوافر من المستحقات الواجبة على الدول الموقعة على الاتفاقية، يتمُّ استخدامها في توظيف حراسٍ للمتنزَّهات، وشراء الأراضي لتحويلها إلى محميات، وتوفير مراكز للزوار، وترميم الأماكن الأثرية وصيانتها. كما تشمل وجوه الإنفاق أيضاً إقامة مشاريع يكسب السكان المحليون عيشهم منها، مثل المشاريع السياحية المنظمة.
إنَّ التحدي المطروح أمام المجموعة الدولية يقوم على حماية التراث الثقافي العالمي من دون القضاء على دجاجة السياحة التي تبيض ذهباً، ونقل هذا الحرص إلى الأجيال الصاعدة، مع أن كل ذلك ليس بالأمر اليسير والسهل.
ولا بُدَّ في خاتمة هذه المقالة من تذكير القارئ الكريم بمواقع التراث الثقافي العالمي السورية التي تمَّ تسجيلها في لائحة التراث العالمي حتى هذا العام (2012)، مرتَّبةً حسب تاريخ تسجيلها، مع التأكيد على غنى سورية العالي بمواقعها الثقافية وآثارها الرائعة، التي من المتوقَّع إدراجها في اللائحة تباعاً - بجهود الجهات السورية المعنية ولاسيما وزارة الثقافة - في السنوات القليلة القادمة بإذن الله:
مدينة دمشق القديمة (1979).
مدينة بصرى (1980).
مدينة تدمر (1980).
مدينة حلب القديمة (1986).
قلعة الحصن (2006).
قلعة صلاح الدين (2006).
التجمعات البشرية الثمانية في محافظتي حلب وإدلب شمالي سورية (2011).
المصدر : العدد 61 تموز 2012