سنوات عديدة مرت على رحيل موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.
ومازال شاغل الناس، حاضراً في الذاكرة وفي وجدان الجميع، تقديراً لأعماله الرائعة ولصوته الساحر، ولمدرسته الموسيقية المتجددة التي قامت بتحديث الغناء العربي بأسره، وثبتَ أن عبد الوهاب هو الذي طوّر القصيدة الغنائية، وأنشأ الموال في أغنية مستقلة، ووضع ملامح الأغنية السينمائية..
لقد تميّز محمد عبد الوهاب بحلاوة صوته، وموهبته التلحينية الفائقة النظير، التي جعلته يحمل العبء الأكبر في محاولته البحث عن طرائق تلحينية جديدة تحلّ محل الطرائق المعمول بها في الصياغات الموروثة عن القرن التاسع عشر، ويمكن القول بقليل من التجاوز إن تحديث الموسيقا العربية في القرن العشرين تم على أيدي ثلاثة من العمالقة هم: محمد القصبجي الذي وجّه ضالته في ألحان الموسيقا الأوروبية، وزكريا أحمد في ألحان الموشحات.. ومحمد عبد الوهاب الذي اهتدى إلى حلّه الأمثل في الموسيقا العالمية والتركية، إضافة إلى ما أمدّته موهبته الصوتية من قدرة على أداء النغمات الدقيقة بشكل يصعب التعبير عنه بالكلمات.
بفضل ولعه المبكر بالموسيقا العالمية، تعلّم محمد عبد الوهاب، كيف يُدخل على بناء القصائد والكلمات الغنائية، تجديدات لحنية أخرجها في العديد من الأعمال الخالدة عن هيكلها الخطي الصارم، وقد تجلّت هذه الصياغة في "مونولوجاته" التي تضاهي من حيث حبكة تصميمها وتعبيرها الانفعالي "آريات الأوبرات" العالمية، وعظمة عبد الوهاب تكمن في حرصه الزائد على أن يبدو جديداً وقريباً من وجدان جمهوره، وهذا ما جعله رائد مدرسة التجديد الموسيقية في القرن العشرين.
"أسرة الباحثون"
المصدر : العدد 61 تموز 2012