ليس هناك سوى التفاحة. وكل الأغذية التي نتناولها خضعت لانتقاء طويل الأمد قبل أن تأخذ شكلها الحالي، وطعمها، ولونها. في هذه العجالة عودة إلى المسيرة الطويلة لتلك الأغذية، والتي خطتها يد الإنسان.
الشـــاي:
قوبلت الشاي وفكرتها بالاستحسان. فالشاي جاءتنا حقيقة من آسيا. ونبتة الشاي تتطلب مناخاً دافئاً ورطباً، وتنمو شجيرات الشاي اليوم أيضاً في إفريقية، وأمريكا الجنوبية وعلى سواحل بحر قزوين والبحر الأسود، ويرجع أصل أشجار الشاي أساساً إلى ثلاثة أصناف متنوعة: "كاميليا سيننسي سيننسي"، سي س آساميكا"، سي س كامبو دينسي"، وقد تحددت من هذه الأنواع الثلاثة عشرات الأنواع الهجينة، والتي تزرع بشكل كروم. وقد انتقيت من أجل نوعية طعمها وأوراقها ومقاومتها للأحوال الجوية. وأشجار الشاي البرية يبلغ ارتفاعها من 5 إلى 20 م. بينما الأشجار المزروعة محدودة الارتفاع بـ 2م من أجل تسهيل قطافها.
البازلاء:
يرى علماء النبات أن أصل البازلاء من أفغانستان. وفي العام 1660، وصلت إلى فرنسا، حيث أعجب بها البلاط الملكي. وكانت تؤكل مفصصة وبعض أنواعها تؤكل كلها، أو تؤكل جافة (حبوب مجروشة). وقد خضعت لزراعة انتقائية مكثفة، وتوجد منها مئات الأنواع المحفوظة خصوصاً في البنك العالمي... وحبوب محفوظة في إنكلترا. ومؤخراً، ظهر نوع مقاوم لسوس الحبوب، وسوسة الحبوب حشرة طفيلية تم اكتشافها وهي خنفسة تثقب الحبوب وتتلفها. والبازلاء قابلة للتهجين كما هي قابلة للخضوع لدراسة قواعد إخصابها كما فعل ذلك الراهب العامل مندل الذي وضع لها في العام 1865 قوانين الوراثة.
كمأة بيريغورد السوداء:
سبق للكمأة أن طُرحت للاستهلاك منذ القرن السابع عشر، وكانت توجد قبل ذلك الحين في أوروبا منذ نحو عشرة آلاف سنة. وزراعة الكمأة التي نتجت عن تطعيم جذور أشجار الكمأة الشابة (وهي أشجار البلوط والبندق التي تنبت الكمأة حولها) بأبواغ الفطر، يرجع تاريخها إلى السبعينيات. وهذه التقنية اليوم هي أصل 80% من إنتاج كمأة بيريغورد السوداء. وإذا لم يخضع الفطر لانتقاء معقول، فذلك لعدم معرفة تأثير العوامل الوراثية فيه وتأثير العوامل البيئية في تطور نكهاته، والبلوط وأشجار البندق وقع الاختيار عليهما لقوتهما وقدرتهما على إنتاج كمأة مطعمة. وثمة برنامج لتسلسل مورثة الكمأة، يهدف إلى التوصل إلى فهم أفضل لوزن الوراثة في تطويرها، والعمل جار في هذا البرنامج.
الكيوي:
لم تر شجرة الكيوي النور في زيلاندا الجديدة (نيوزيلاندا) بل ولدت في الصين. ومع ذلك فقد انتقلت بعد زمن طويل، في العام 1906 إلى أراضي أول- بلاك ثم انتشرت في العالم أجمع. وتزرع أشجار الكيوي في فرنسا، منذ نحو عشرين سنة فقط، وهي ناتجة عموماً عن نباتات منتقاة تم اصطفاؤها في إيطاليا أو زيلاندا الجديدة بفضل ثمارها وما تحويه من فيتامين ث C، الذي يحفظ فيها جيداً ويستفيد منه جسم الإنسان جيداً.
البقرة البلجيكية البيضاء - الزرقاء:
تتمتع هذه البقرة بعضلات تثير الدهشة وهي مصدر القوة في هذه السلالة التي جرى اصطفاؤها منذ الخمسينيات لإنتاج اللحم. وبعد عشرات السنين، تم التوصل إلى نوع ذي مؤخرة عريضة تحوي كتلاً عضليةً بارزة منتقاة بشكل منهجي، وهذا النوع أصبح منذ ذلك الحين واسع الانتشار بين جميع القطعان من هذه السلالة.
ديك الحبش:
دجاج الحبش الذي كان يسمى قديماً "الدجاج الهندي" ليس له، دون شك، أية أصول هندية: فدجاج الحبش جاء في الأعم الأغلب من أمريكا. واستوردته أوروبا في القرن السابع عشر، وتمت تربيته في فرنسا من أجل زيادة نسله الأنثوي، الذي اختير بسبب قدرته على التكاثر، إلى جانب نسله الذكوري. ولدى هذه الذكور "الديكة" يرمي الاصطفاء إلى تحسين شكل الحيوان بغية تطابق توزيع كتله العضلية مع اللحوم الأخرى المرغوبة (اللحم الأبيض، الفخذ...).
فطر باريس:
سبق أن وجد هذا الفطر على مائدة لويس الرابع عشر وكان يجمع حينئذ من الطبيعة - وقد بلغ هذا الفطر أوج ازدهاره منذ القرن التاسع عشر، عندما بدأت زراعاته الأولى في الأقبية. ومنذ القرن العشرين، أتاحت زراعته في أنابيب الاختبار في المخابر إمكان الحصول عليه بوساطة خلية واحدة من خلايا المنشأ، يمكن زراعتها دون أن تتداخل الأصول. وليس له من اسمه "فطر باريس" سوى الاسم: فهو ينتج في فرنسا وبشكل خاص في منطقة سومور وليس باريس.
البندورة:
أصل البندورة من أمريكا الجنوبية، ولم تعرف في أوروبا إلا بفضل كريستوف كولومبوس... وكانت تستخدم في الأصل للزينة وللأعمال الصيدلانية. وقد وضعت على موائد الإيطاليين والفرنسيين في جنوبي فرنسا قبل أن تصبح منتجاً معروفاً وشائعاً بعد الحرب. وقد اختيرت في البداية لإمكان إنتاجها طوال السنة ولتكيفها مع ظروف البيوت البلاستيكية أو الزجاجية، أي الزراعة المحمية، ولمقاومتها للأمراض، وتمت المحافظة على البندورة المزروعة بعد ذلك نظراً لشكلها المتجانس وإمكان حفظها. لكن هناك مشكلة واحدة: هي أنها فقد جزءاً من مذاقها وطعمها بعد تلك السلسلة من عمليات الاصطفاء والتهجين. وعلى حين غرة، ودفعة واحدة، بدأت الجهود تنصب اليوم على تحسين مذاقها الذي فقدت جزءاً كبيراً منه!.
عنب المائدة:
مع أن العنب معروف منذ العصر الحجري الأخير، إلا أن أنواعه المتعددة وخصوصاً أنواع عنب المائدة (وهي نحو 30 نوعاً) لم تظهر إلا منذ قرن أو قرنين. ومعايير انتقائه تتميز كثيراً من مثيلتها المطبقة على الأنواع الأخرى المخصصة للعصير والحفظ في الأواني: وذلك من حيث حجم الحبات وقطرها - وهذا المعيار لا يهم من أجل عنب العصير والذي تحدد قشرة العنب نوع عصيره - وهي حبات متماثلة حجماً وذات لون مميز، وطعم قريب من طعم العنب المسكي. ويتميز عنب المائدة بمقاومته للأمراض وطول فترة إنتاجه... وأخيراً، هناك نوع من عنب المائدة عديم البذور أمكن إنتاجه.
الكرمنتينا:
عندما سقط غبار الطلع للبرتقال في نهاية القرن التاسع عشر على أشجار المندرين لدى الأب كليمان، المسؤول عن بستان البرتقال قرب أوران، وُلد نوع جديد من الحمضيات وهو الكرمنتينا. لكن الكرمنتينا لم تشد اهتمام مكتشفها إلا فيما بعد، عندما رأى الأطفال يأكلون ثمارها حتى قبل نضوج ثمار المندرين بزمن طويل. ومع أن الكرمنتينا ضعيفة الرائحة، إلا أنها شبه متخلية عن أصولها، لأنها تنمو دون تلقيح بغبار طلع البرتقال، وإذا كانت بعيدة عن بساتين الحمضيات، فإنها لا تحوي أية بذور. وفي الواقع، لا يمكن لشجرة الكرمنتينا أن تلقح بغبار طلع شجرة كرمنتينا أخرى. وبوسعها أن تلقح، في المقابل، بغبار طلع أية حمضيات أخرى... وفي هذه الحال تتشكل البذور في داخلها.
الذرة:
أصل الذرة من أمريكا الجنوبية، والذرة الحلوة تستخدم في الغذاء البشري، ولم تزرع في فرنسا إلا منذ ثلاثين سنة. وقد تم اصطفاء الأنواع التي تعطي غلة أكبر وتنضج باكراً وتقاوم الحشرات الطفيلية وذات معايير تتعلق مباشرة أكثر بالمستهلك من حيث المذاق والطعم الحلو وطريقة قضمها ولونها.
البيض:
الدجاج البياض لا يشبه السلالات المخصصة لإنتاج اللحم. وعلى مر الأجيال، فضل الإنسان الحيوانات البالغة التي لا يزيد وزنها على 1.5 كغ، مقابل 2 كغ تقريباً لفروج "اللحم" الذي يبلغ من العمر 5 أسابيع. وهذه الأوزان الخفيفة للفروج تأكل أقل من الدجاج البياض الذي له نفس الوزن ويبيض بيضاً كثيراً متجانساً وله قشرة ذات نوعية جيدة.
القنبيط (الزهرة):
جميع أنواع القنبيط التي نجدها اليوم في الأسواق متحدة من نوع واحد وهو: الملفوف البري. ومن خلال زراعته في البساتين والبيوت أمكن الحصول على القنبيط الحالي، حيث أن هذه الأنواع أشد بياضاً من أنواعه التي وُجدت قبل عشر سنوات فقط، وذلك جراء عمليات الاصطفاء! والمزارعون المنتجون حريصون من ناحية ثانية على مقاومته للأمراض وعلى تجانس المحصول.
الأرنب:
هناك أرنب وأرنب آخر، فالأرنب الذي نأكله اليوم متحدر من الأرانب الأهلية التي يرجع تاريخها إلى القرن التاسع عشر. لكن إذا كان عدد سلالاتها في ذلك الحين يبلع نحو الستين نوعاً، فإننا لم نعد نجد لدى المربين الذين اصطفوا أنواعها أكثر من 12 نوعاً جديداً، أي أرانب متحدرة من حفنة من تلك السلالات وتتمتع بمواصفات مشتركة. وهي تنقسم إلى زمرتين: الزمرة "الذكرية" والتي تم اصطفاؤها لسرعة نموها، والزمرة "الأنثوية" التي اختيرت للتوالد والتكاثر، ولتعيش عمراً أطول، ولتربية أبنائها حتى بلوغ وزن متوسط. فأرانب التربية متحدرة من تزاوج السلالة "الأنثوية" والسلالة "الذكرية" للجمع بين مواصفات كل من السلالتين في جيل واحد.
الحليــب:
بعد أن أصبح الحليب فقيراً بالبروتينات والمواد الدسمة التي نُزعت منه في العقود الماضية، استعاد مكانته وقوّته على صعيد التغذية! واصطفاء الأبقار الحلوب الذي استغرق زمناً طويلاً على صعيد وظيفتها الإنتاجية حصراً، لإنتاج كميات كبيرة من الحليب - ذلك أن بقرة من عرق بريم هولشتاين تنتج اليوم حتى 8000 كغ حليب في السنة، مقابل 5000 كغ في السبعينيات - وكان إنتاج كميات الحليب منذ ذلك الحين يأخذ في حسبانه تركيب الحليب أيضاً. ومن جملة الأنواع، حليب أكثر غنىً بالمواد المغذية المفيدة! كما اهتم الذين اصطفوا تلك الأبقار بقوة بنيتها وقدرتها على مقاومة الأمراض، وخصوبتها. وكلمة أخيرة، هي إنه تم انتقاء البقرة الحلوب تبعاً لقوة أثدائها وقدرتها على التكيف مع آلات الحلب الميكانيكية.
المصدر : مجلة" science & vie " الفرنسية – العدد (238) (عدد خاص عن الطعام والغذاء)
المصدر : الباحثون العدد 68 شباط 2013