حتى الآن، لم يقع ضحايا. مع ذلك، تنظر وكالات الفضاء إلى التهديد بشكل جدي جداً: يسقط عدد متزايد من السواتل على الأرض. ومع دخول الشمس في ذروة نشاط جديدة، ستتضاعف حالات السقوط هذه عام 2013. المشكلة هي إن المهندسين لا يملكون أية وسيلة لتوقع المكان الذي ستتحطم فيه هذه الآلات! إنه لغز أكثر إثارة للقلق مما هو متوقع....
في 23 تشرين الأول 2011، نجت العاصمة الصينية بأعجوبة من حادث. كان سكان "بكين" العشرون مليوناً يجهلون كل شيء حول الخطر المحدق بهم. وأي خطر: أن تسقط السماء - حرفياً - على رؤوسهم! إزاء هذا الخوف القديم والشمولي، يمكن أن يخال المرء أن ما سيسقط يمكن أن يكون كويكباً أو قنبلة ذرية. ولكن، لم يكن الأمر كذلك. ما كان مصدر تهديد هو ساتل (قمر صناعي satellite) سلمي جداً خاص بالرصد الفلكي، أطلق عليه الاسم الظريف "روسات" Rosat. كان هذا الساتل قد أفلت من كل تحكم منذ إحدى عشرة سنة، بعد انطلاقه بسرعة هائلة: 29000 كم / سا. وكان من المتوقع أن يكون على وشك التحطم في الجو بين لحظة وأخرى في وابل صاخب من النار والمعدن...علماً أن مدار "روسات " الأخير يقع فوق "بكين" تماماً. "استمر ذلك نحو سبع دقائق"، وفقاً لما صرح به مؤخراً مسؤولون من "وكالة الفضاء الأوربية" (ESA) بشيء من الاضطراب. نعم، نجت "بكين" بأعجوبة. إلا أن هذا النوع من الارتعاش سيتكرر مراراً خلال الأشهر القادمة....
سواتل تسقط على الأرض؟ هل يمكن أن نرى في ذلك نهايةً للعالم المبرمج؟ ليس في هذه الظاهرة ما يدعو للاستغراب، فهذا هو المصير المشؤوم لأي شيء يوضع في المدار المنخفض (على ارتفاع أقل من 1400 كم بشكل خاص). في الواقع، بعض البقايا الموجودة في الجو، التي تصادف على هذه الارتفاعات، كافية لكبح مسير آلة فضائية بنتيجة الاحتكاك، ومن شأن هذا التباطؤ أن يتمخض عندئذ عن تضاؤل في الارتفاعات مع مرور السنوات....
خزان من "آريان 4" على قرية
من المؤكد أن السواتل الناشطة تصحح مسارها باستمرار كي تبقى في المدار المناسب، ولكن ليست هذه هي حال جميع الآلات التي لا تحصى الموجودة "خارج الخدمة" – أي تلك التي يتوقف عملها بنتيجة عطل تقني نهائي أو استعداداً للسحب من الخدمة أو بسبب تخلي أصحابها عنها. هذا دون أن ننسى آلاف طوابق الصواريخ، التي تبقى بعد الإقلاع هي أيضاً في الفضاء كأنها مع سواها جثثٌ تجول كيفما كان. "ويطرح سقوطها على الأرض، بصمت ودون إنذار غالباً، مشكلات شبيهة بمشكلات سقوط السواتل"، على حد عبارة "فرنان ألبي" Fernand Alby، اختصاصي الحطام في "وكالة الفضاء الفرنسية". المشكلة هي إنه حتى عندما تعطي هذه الآلات الانطباع بأنها تتبخر، خلال عودتها إلى جو الأرض، بنتيجة الاحتكاك والتسخن، فإن 20 إلى 40% من كتلتها تصل إلى الأرض...على شكل مكوِّنات ضخمة بوزن مئات الكيلوغرامات.
تبدو الفترة الحالية أنها مضطربة جداً: خلال العام 2011، غاص 63 ساتلاً وطابقاً صاروخياً في الجو! وهو معدل مرتفع مرشح للتسارع أكثر من ذلك مع ازدياد النشاط الشمسي الذي يتوقع أن يصل إلى ذروته عام 2013. في الواقع، وبنتيجة اقتحام العواصف الشمسية، يتلقى الجو الأعلى دفقاً أكثف بمرتين من الأشعة فوق البنفسجية. النتيجة، "يتسخن الجو، ويتمدد ويمتد باتجاه الارتفاعات العليا، وبالتالي تكون احتكاكاتها أشد مع الأشياء الدائرة في المدارات"، حسب شرح" "مارك ماتني" Mark Mateny، الخبير في شؤون خروج الآلات عن المدار في وكالة الفضاء الأمريكية. ويضيف الرائد "أوليفييه فلوري" Olivier Fleury، المكلف بالمراقبة الفضائية في سلاح الجو الفرنسي: " تبيّن لنا وجود حالات تضاؤل ارتفاع لها علاقة بالأحوال الأرصادية في الفضاء... مع ذلك، يجب أن لا نتوقع أيضاً حدوث طوفان سواتل على الأرض".
هدف كلمات هذا المسؤول في الدفاع الجوي الفرنسي هو الطمأنة، وهناك ميل عام إلى التقليل من شأن الخطر الذي تمثله هذه الآلات الفضائية: "حسب علمنا، لم يصب أحد بجروح بنتيجة سقوط جسم فضائي أي كان. ولكن لعلكم لاحظتم، في الوقت نفسه، وجود بعض الضحايا على الأرض، بنتيجة سقوط طائرات". الأمر مفهوم! فالأرض واسعة، ومغطاة بالمحيطات بنسبة 71% بينما تتشكل القارات إلى حد كبير من مناطق غير مأهولة. مع ذلك، الخطر حقيقي ويمكن تقديره. وكانت وكالة الفضاء الأمريكية قد قدرت، بخصوص "روسات"، أن سقوط هذه الآلة يمثل خطراً، بمعدل 1/2000، بأن يتمخض عن ضحايا على الأرض. وهناك مثال آخر حديث جداً: قبل سقوط مسبار روسي ضخم (Phobos - Grunt) مصاب بعطل، الأحد 15 كانون الثاني 2012، " كانت وكالة الفضاء الروسية قد نصحت بإغلاق المجال الجوي الأوربي كله لمدة ساعتين [ تتأثر الطائرات بأي حطام جوي من وزن 300 غ ] "، يقول "توماسو سغوبا" Tommaso Sgobba، الاختصاصي الشهير بالسلامة الفضائية. ويبدو أن الحظ يلعب أحياناً دوراً لا يستهان به، مثلما حدث في 22 كانون الثاني 2012 مع خزان الصاروخ " آريان 4 " الفرنسي الذي سقط في قرية برازيلية ولم يتمخض إلا عن قطع جزء من شجرة. وهناك حوادث تاريخية مماثلة كان يمكن أن تؤدي إلى نتائج سيئة.
لهذا، لم يستخَفّ بأي من حالات العودة لدخول الجو هذه. من هنا، بدأت بعض الدول تهيئ وسائل تَتبُّع لهذه الآلات التي يمكن أن تشكل خطراً بشكل مسبق ولفترة كافية. ذلك خصوصاً وأنه لا يوجد أحد لديه وسائل تحكم بهذه الأجهزة المتدحرجة فوق رؤوسنا والتي يصل وزن بعضها إلى عدة أطنان. وإذا كان الجميع ما زالوا يتذكرون الخوف، على المستوى العالمي، الذي أحدثه سقوط محطة "مير" 2001، فيجب أن نذكر إنه قد تمت إدارة هذا الجنوح بدقة بالغة، وفق زاوية محددة جداً، كي تسقط الآلة، التي لم تتوقف عن العمل حتى تلك اللحظة، في مناطق غير مأهولة في المحيط الهادئ. وهناك حديث عن "هدْم مضبوط"، على غرار ما تقوم به مركبات الشحن التابعة لمحطة الفضاء الدولية ISS. إلا أن هذه المناورة مكلفة جداً من حيث الوقود ومعقدة إلى حد كبير، "والسواتل التجارية غير مصممة للأسف على هذا الأساس. في الواقع، تقوم الطريقة الوحيدة المناسبة اليوم على استعمال بقايا الوقود فقط من أجل جعل السواتل تدور في مدار أخفض. الهدف: العمل بحيث يعود الساتل إلى السقوط من تلقاء نفسه قبل انقضاء خمسة وعشرين عاماً على إطلاقه للحفاظ على نظافة الفضاء"، حسب عبارة "ميشيل لوموان" Michel Le Moine، المدير الفني في شركة "أستريوم". ذلك في الحقيقة لأن وكالات الفضاء تفكر أولاً في تخليص المدار من الأشياء غير المفيدة فيه – الفضلات الفضائية المعروفة – وتنظر بالتالي إلى ذروة النشاط الشمسي المتوقعة لعام 2013 على أنها الفرصة التي تحلم بها من أجل تنظيف مجاني كبير، مع نسيان سريع قليلاً وأن هذا النوع من التصريف يمكن أن يشكل تهديدات على الأرض....
يكمن مصدر الإزعاج في الواقع ليس فقط في أن أحداً ليس لديه سيطرة على هذه السواتل، بل لا يوجد أيضاً أي عالم قادر على توقع مكان سقوط بقاياها الخطرة.... ومع كل "غطسة" حطام، يسري الخوف في أرجاء القارات كلها بنتيجة عجز السلطات الفضائية المؤكد عن فعل أي شيء. في الواقع، يبقى وقت نزول الساتل في الجو لغزاً لا يمكن حله أو توقعه حتى الآن بشكل دقيق: "توقعاتنا تقريبية إلى حد كبير. هامش الخطأ قبل عشرة أيام من عودة الساتل إلى الجو هو يوم أو يومان، أي ما يساوي عشرات المدارات، ومثلها من الدورات حول العالم!. وقبل يوم من الحدث، يبقى الشك مقدراً بنحو دورة أو دورتين حول الأرض، علماً أن دخوله الأرض يمكن أن يحدث في أية نقطة منها"، يقول "وليم أيلور" William Ailor مدير Center for Orbital and Reentry Debris Studies بالولايات المتحدة. والساعات الأخيرة مثيرة للقلق على منطقة بطول 4000 كم تقريباً... ويجب أن نشير إلى أن السرعة المذهلة للأشياء الفضائية – 8 كم / ثا – لا تسمح بحيز كبير للخطأ. ولكن لماذا هذا القدر من الأخطاء؟ "تتأثر نقطة دخول الشيء الفضائي الدقيقة إلى الجو بعدد كبير من الظواهر التي يصعب قياسها وتوقعها في الآن نفسه"، يقول "مارك ماتني". ذلك لسبب بديهي: لا يعود الانتظام الكبير في تحليق السواتل في فراغ الفضاء سارياً عند الدخول في الجو، حيث تشوه الاحتكاكاتُ العشوائية الحساباتِ كلها. يدخل الساتل عندئذ في أرض مجهولة. "الطبقة الجوية الواقعة على ارتفاع 150 - 200 كم ما تزال مجهولة إلى حد كبير، لعدم وجود قياسات لها؛ لا تتوقف السواتل هنا ولا تصل إليها المناطيد الكشافة"، يوضح "فرناند ألبي". إذاً، من الصعب التعويل على النمذجات الهشة لهذه الأقاليم، التي تتباين كثافتها باستمرار، خصوصاً حسب الأحوال الفضائية التي يكاد توقعها هي نفسها متعذراً. فضلاً عن ذلك، وخلال حالات العودة هذه غير الخاضعة للتحكم، " يمكن أن ينقلب الساتل فجأة عقب إطلاقه بسرعة فرط صوتية، فتتغير وضعيته. إلا أن تأثيرات الاحتكاك لا تعود هي نفسها، وذلك وفقاً للوجه المعرّض للرياح. وقد فوجئنا بأحد هذه الحركات غير المتوقعة خلال هبوط ساتل أمريكي ضخم (UARS) في 24 أيلول 2011 "، يقول "فرناند ألبي".
الإخلاء الوقائي مستحيل
حالما يدخل الساتل في الجو ليحلق فيه على شكل شظايا، تبقى الجيوش ووكالات الفضاء تائهة في التخمينات بخصوص حطامه. وغالباً ما تضطر هذه الهيئات القوية إلى البحث عن شهود عابرين أو منفردين هنا أو هناك ومعرفة إن كانوا قد لمحوا لمعاناً في السماء أو رأوا قطعاً على الأرض. "وحتى لو كانت اللاقطات العاملة بالأشعة تحت الحمراء، الموجودة في سواتل التجسس الأمريكية، قادرة على أن تحدد فيما بعد موضع عودة الساتل إلى الجو متفجراً، فإن الحطام المتشظي يفلت من المراقبة الرادارية بشكل عام"، يضيف "فرناند ألبي". أفضى هذا الريب مع ذلك إلى فتح حقل أبحاث هام: طورت وكالتا الفضاء الأمريكية والأوربية نماذج معلوماتية بخصوص تشظي السواتل، بالاستناد إلى هندستها وخاصيات معادنها. أما في الوقت الحاضر، فإن هذا الجهد الكبير يتيح للباحثين فقط أن يتصوروا الكتل وعدد القطع التي يمكن أن تبقى كما هي بعد التحطم، ولكن دون إمكان وضع رقم محدد على الأرض، فهذا مستحيل، ولكن مع إمكان تخمين حدود مواقع سقوط الحطام المتشظي كله، والذي يمكن أن يصل امتداد انتشارها إلى نحو 1000 كم، على الأقل. "لا يمكننا أن نعطي سوى دليل عام جداً، أي التوزُّع الاحتمالي. لا يمكن التنبؤ بنقطة سقوط الحطام بشكل دقيق في مثل هذه الأوضاع، على الأقل لأن الرياح الجوية يمكن أن ترحلها بعيداً...". من هنا، يستحيل اتخاذ قرار إخلاء وقائي. وإلى أن تقع كارثة... "سنبقى ندفع ثمن عقود من قلة المعالجات اللازمة في المهمات الفضائية"، يقول "أوليفييه فلوري" آسفاً. مضت خمسون سنة من المغامرة الفضائية دون أن يكون فيها أي وازع من أي نوع كان، وحيث لم تكن حالات السقوط هذه على الأرض تثير اهتمام كثير من الناس.
مركبة لتنظيف الفضاء
"اندرج نشاطنا لزمن طويل ضمن منطق غزو الفضاء"، يوجز "ميشيل لوموان"، قبل أن يضيف: "من حسن الحظ أن هناك وعياً يتكون الآن". ولدى فرنسا مثلاً قانون نافذ منذ نهاية عام 2010 بخصوص العمليات الفضائية ضمن هذا الإطار. ومنذ عدة سنوات، بدأت السلطات المعنية تعمل على دفع طوابق الصواريخ الحاملة " آريان 5 " باتجاه المناطق غير المأهولة في المحيط الهادئ الجنوبي بعد أن كانت تتركها في المدار – رغم الصعوبات التقنية. ثم بدأ بعض الصناعيين يتصورون تكييف بنية السواتل مع نهاية حياتها. "تهدف هذه الرؤية – المسماة تصميم للزوال- إلى تقليل عدد الحطام الخطر الذي يصل إلى الأرض"، يوضح "وليم إيلور". ويتحدث المهندسون عن تقليل استخدام مواد زائدة القدرة على مقاومة الحرارة مثل التيتان والفولاذ والخزف. وبدلاً من ربطها بالبراغي، بات من المفضل لصق القطع فيما بينها وهو ما من شأنه تأمين تفتُّتٍ أفضل.
ولكن ما العمل بالنسبة للسواتل وصواريخ الإطلاق الموجودة اليوم في المدار، والمستعدة للانقضاض على الأرض بالآلاف؟ هل يمكن أن يعزم المعنيون على الإقرار بالعجز؟ "ينبغي الآن فعل شيء ما. وهكذا، نفكر بصنع مركبة تنظيف صغيرة تسير بجوار السواتل كي تدفعها فيما بعد بشكل مضبوط في الجو"، يحسم "ميشيل لوموان". بات الوقت متأخراً كثيراً دون شك لتنفيذ مثل هذا المشروع قبل سقوط زخات أشياء فضائية متوقعة مع وصول الشمس إلى ذروة نشاطها عام 2013.
ومن الناحية القانونية، إذا أدى سقوط شيء فضائي إلى إحداث أضرار مادية أو بشرية في بلد ما، أو في طائرة محلقة، فإن قانون الفضاء ينص على التعويض المالي عن الأضرار؛ كما أن اتفاقاً يعود إلى عام 1972 يؤكد أن المسؤولية تقع على "الدولة التي أطلقت الآلة الفضائية".. وهذا ما يمكن أن يجعل البلد الذي أعار أرض الإطلاق ضالعاً في المسؤولية.
ماذا بشأن محطة الفضاء الدولية؟
مع ذلك، "ورغم صعوباته، يبدو المشروع حتمياً. ومن غير المعقول أن تترك وكالة الفضاء الأوربية ساتلها البيئي ,, أنفيسات ,, Envisat يسقط هكذا، دون تحكم"، يضيف الباحث. يذكر أيضاً بهذا الصدد الساتل الشهير "هابل" Hubble (11 طناً على الميزان) بل وخصوصاً محطة الفضاء الدولية ISS (400 طن) "إنه قد بدأت الأعمال البحثية المتعلقة بعمليات إخراجهما من مدارهما على نحو آمن"، يشير "مارك متني".
بانتظار ذلك، سيتوجب الاستمرار بصمت في تحمل هذا "اليانصيب" المؤسف والمقلق، والعام، فخلال يومه الأخير في المدار، كان "روسات" قد مر مرتين فوق فرنسا، من بين دول أخرى....
النشاط الشمسي والآلات الفضائية
دخلت الشمس منذ وقت مضى في طور من الاضطرابات التي يمكن أن يتأثر بها بعض السواتل. ومن المعروف في الواقع أن الأشعة فوق البنفسجية (مع هبة النشاط الشمسي هذه) تسخن الطبقة الخارجية من الجو – الغلاف الحراري thermosphère – الواقع على ارتفاع 90 و500 كم وعندما ترتفع حرارته بشكل مفاجئ إلى 1500 درجة، يتمدد ويصل إلى مناطق تحرك السواتل في المدارات المنخفضة. ويصبح الوسط عندئذ أكثف بخمسين مرة، مما يؤدي إلى كبح آلات الفضاء. ومع نفاد الوقود، ينتهي المطاف بها بالسقوط باتجاه الجو. وفي الأوقات العادية، تكون حرارة الغلاف الحراري 700 درجة، وهذا ما لا يؤثر إلا في حالات نادرة على السواتل وسواها، ومنها محطة الفضاء الدولية.
لا تكتفي الشمس بإسقاط السواتل، بل تجعلها "تفقد صوابها" أيضاً. في الواقع، تمطر هذه الثورانات محيط الأرض بوابل من البروتونات فائقة الطاقة، القادرة على اختراق حواسيب متن الآلات الفضائية وتحدث تغييراً في الحالة الكهربائية لمكوناتها. وهذا ما يؤدي إلى إعطاء أوامر فوضوية وفقدان اتجاه وذاكرة. ولكن غالباً ما تكون هذه الأوضاع المزعجة مؤقتة، ويكفي ضبط إعادة إقلاع الحاسوب من خلال المركز الأرضي المعني. ويمكن للبلازما الشمسية الآتية من العواصف المغنطيسية الأرضية أن تتمخض عن تفريغ شحنات كهرباء ساكنة مدمرة بطريقة أخرى، على غرار ما حدث للساتل العلمي الياباني ADEOS-2 الذي فقد عام 2003 (كانت كلفته قد بلغت 630 مليون دولار).
يستحيل توقع مكان الاصطدام
يمكن أن يعود الساتل (الذي يطلق من الأرض بسرعة 29000 كم / سا، أي 8 كم / ثا)، لدخول الجو الأعلى في أية لحظة. وإذا ما تأخر أو تقدم بضع دقائق، تختل الحسابات كلها في مراكز المراقبة الأرضية.
وحين فقدان التحكم أو نفاد وقود الساتل، وهو ما يمكن أن يكون قد حدث غالباً منذ عدة سنوات، تبدأ حركاته بالاضطراب، ويصبح من الصعب جداً توقع مساراته في الجو. هذا في الوقت الذي يصعب جداً على العلماء تحديد كثافة الجو الأعلى، خصوصاً وأن هذه المعْلَمة تتأثر بالاختلافات بين الليل والنهار، والارتفاع والعواصف الشمسية....
حالتان نموذجيتان
في 28 كانون الثاني 1978، تحطم ساتل سوفييتي يغذيه مولد نووي فوق كندا. وأثار رعباً لدى السلطات الكندية: خلال الدقائق التالية، أرسل الجيش الكندي، يساعده الجيش الأمريكي، وحدات وطائرات استطلاع لالتقاط الحطام الناشط إشعاعياً والقاتل احتمالاً، وتم التقاط 12 قطعة فقط فيما بعد.
وفي تموز 1979، أثار سقوط "سكايلاب"، أول محطة فضائية أمريكية، ذعراً عالمياً ما يزال حتى الآن موضع دراسة لدى علماء النفس. تحطمت المحطة، التي كان سقوطها أسرع من المتوقع، فوق المحيط الهندي. وسقطت بعض القطع الثقيلة في مدينة "إسبرانس" الأسترالية.
عن Science & Vie, août 2012
المصدر : الباحثون العدد 68 شباط 2013