عن " العلم والحياة " الفرنسية ترجمة محمد الدنيا
تمكن عدد من علماء الفلك، لأول مرة، من تحديد لون سماء أحد أبناء عم كوكبنا البعيدين. أزرق في النهار، وضارب إلى الحمرة عند المغيب: يشبه مشهدُه السمائي مثيلَه عندنا للغاية!
تخيلوا مغيباً شمسياً في " بومباي " (الهند). يهبط نجمنا نحو البحر، بينما تكون السماء في الجهة المقابلة صافية جداً. تترك محركات عربات " الركشاو " (ذات العجلتين)، المفرقِعة، أدخنةً مائلة إلى الزرقة تعوم في الجو وتجعل السماءَ مظلمة، مضفيةً عليها لوناً ضارباً إلى الحمرة... حسناً، هذا تقريباً ما يمكن أن تروه لو شاهدتم شفقاً على HD189733b، الكوكب الدائر في المدار حول نجمه خارج منظومتنا الشمسية، والذي يقع على بعد نحو 60 سنة ضوئية منها.
لكن ذلك مع افتراض أنه يمكنكم مقاومة الحرارة المحيطة: معدلها 1000 درجة مئوية! ذلك لأن HD189733b، كغالبية الكواكب الـ290 المعروفة اليوم خارج المجموعة الشمسية، هو كوكب غازي عملاق géante gazeuse، يدور على بعد 5 مليون كيلومتراً من نجمه (أقرب إلى نجمه بثلاثين مرة من المسافة التي تدور فيها أرضنا حول نجمها). بعبارة أخرى، من المرجح أن أي كائن حي لم يشاهد أبداً مثل هذا المغيب الشمسي. لا يمنع. نجح علماء فلك – في حالتنا هذه، فرنسيون وسويسريون – في " رؤية " لون سماء كوكب خارج مجموعتنا الشمسية. والمدهش أنها شبيهة بسماء الأرض. زرقاء في النهار، ثم تضرب إلى الحمرة عند المغيب. كيف نجح هؤلاء العلماء بإنجاز هذا العمل الفذ، بينما لا توجد أية أداة قادرة بما يكفي لإعطاء صورة عن الكوكب HD189733b، أو أي كوكب آخر من النوع نفسه؟.
مَعْلَمات
تم التقدم خطوات هامة في الطريق منذ اكتشاف أول كوكب خارج منظومتنا الشمسية عام 1995: عثر العلماء على ما يقرب من 290 كوكباً، وهي في معظمها كواكب غازية عملاقة وحارة، في المدار حول شموس بعيدة. يوجد بينها 46 كوكباً عبورياً à transit (تمر بانتظام أمام نجمها)، واثنان قريبان كفايةً كي يكون جوهما قابلاً للرصد بضوء نجميهما: " أوزيريس " Osiris وHD189733b. أما " أوزيريس "، فجوُّه مرقَّق بالهيدروجين الذي يتبخر. وقد اكتشف مؤخراً ماء وميتان على HD189733b، الذي لا بد أنه موضع رياح عنيفة.
أداة مثالية: هابل
الأمر بسيط. اكتشفوا في جوه الظاهرةَ الفيزيائية نفسها المسؤولة عن لون سمائنا الأزرق: انتشار ضوء النجم على شكل جسيمات دقيقة محتواة في الجو. يجعل هذا الأداءُ تلك العوالمَ البعيدة، كواكبَ ما وراء منظومتنا الشمسية، " حقيقيةً " أكثر قليلاً.
ينبغي القول إن HD189733b موضوع فاخر للتجربة: يشكل، مع " أوزيريس " أحدَ الكوكبين الوحيدين، اللذين يمكن أن يتكيفا مع دراسة جوهما. ذلك ليس فقط لأنهما قريبان منا بشكل كاف، بل هما أيضاً وبشكل خاص " عُبُوريان " à transit. من الواضح أنهما يمران بفاصل زمني منتظم أمام نجمهما. بالنتيجة، تحدث حالات كسوف، يحدد إيقاعُها فترةَ دوران الكوكب: 2,2 يوم بالنسبة لـ HD189733b و3,5 بالنسبة لـ " أوزيريس ". ليس لذلك أي شبه بالكسوفات التي تلاحظ على الأرض، والتي بحجب القمرُ كليةَ الشمسَ خلالها. يضائل مرورُ HD189733b أمام نجمه ضياءَ هذا الأخير بمعدل 1,5% فقط. تضاؤلٌ صغير، لكنه ممكن القياس. ويعطي مقداراً وفيراً من المعلومات.
" منذ أن تم اكتشاف الكوكب " أوزيريس "، عام 1999، فهمنا كمونَه من حيث اكتشاف عناصر في جوه: لأنه عندما يمر الكوكب أمام نجمه، يمتص جوهُّ ضوءَ النجم جزئياً، وهو ما يمنحنا معلومات حول تركيب الكوكب "، يشرح " ألن لوكافلييه ديزيتانغ " Alain Lecavelier des Etangs، اختصاصي الكواكب خارج المنظومة الشمسية في معهد الفيزياء الفلكية، باريس. النتيجة صعبة الرؤية: يسعى علماء الفلك إلى توضيح تغايراتٍ في تألق النجم من معدل عشرة بالألف. إذاً، ليس من المتصور استخدام مقاريب صغيرة، بل الاستعانة بمقراب فضائي ضخم مثل " هابل " Hubble، الأداة المثالية. في الواقع، هذا الأخير هو الذي أتاح عام 2002 الكشف عن الصوديوم في جو " أوزيريس "، قبل أن يبين فريق " ألفرد – فيدال ماجدار " Alfred – Vidal Majdar و" ألن لوكافلييه ديزيتانغ "، عام 2003، أن هذا الجو يحوي الهيدروجين الذي يتبخر، ويتسخن بالنجم القريب جداً منه (يبعد " أوزيريس " 4 مليون كيلومتر فقط عن نجمه).
يوجد ماء فعلاً على HD189733b
لا بد أن يكون الماء، الوفير جداً في منظومتنا الشمسية، موجوداً أيضاً في الكواكب خارجها. مع ذلك، وحتى وقت قريب جداً، لم يكشَف عن أي أثر للماء (في حالة البخار نظراً للحرارة البالغة 1000 درجة مئوية) على HD189733b. كانت نشرةٌ قد أكدت في شباط 2007 أنه لا يوجد فيه بخار ماء ولا ميتان. مع ذلك، في تموز 2007، أظهر طيفٌ ضوئي تم الحصول عليه من خلال المقراب الفضائي " سبيتزر " Spitzer وجود ماء هذه المرة. إلا أن آخرين، مع المعطيات نفسها، لم يروا الماء... غير أن هذا النقاش انتهى مؤخراً بنتيجة رصدٍ أنجزه " هابل " ونُشر في نيسان 2008. تنوه هذه المعطيات الجديدة إلى وجود شريط يتميز به الماء بطول موجي 1,9 ميكرومتر، وكذلك إلى وجود الميتان. إذا كان بخار الماء قد أفلت من يقظة علماء الفلك حتى الآن، فذلك بالتأكيد لأن جو الكوكب " متسخ "، مغطى بهذا الغبار نفسه الذي يسبب مغيباً شمسياً أحمر.
الانتشار " رايلي"
لكن HD189733b أصبح أشهر من " أوزيريس " منذ 2005. وبما أن نجمه أقرب منا (60 سنة ضوئية مقابل 150 لـ " أوزيريس ")، وأصغر حجماً، فإن عبور الكوكب يضائِل ضياءَ النجم بنسبة 2,5 % هذه المرة. رقم قياسي. بالنتيجة، تكون الإشارة الملاحظة أقوى، مما يعني احتمالاً دقةَ قياسٍ أفضل؛ وبالتالي، هدية ثمينة لعلماء الفلك. هكذا رصد فريق يرأسه عالم الفلك السويسري " فريديريك بون " Frédéric Pont بواسطة المقراب " هابل "، منذ عدة أشهر، بأطوال موجية تتراوح بين 550 و1050 نانومتر (مرئية وتحت حمراء قريبة)، ثلاثَ حالات عبور للكوكب HD189733b استغرقت 18 ساعة من وقت المقراب. وبعد أن قاس كمية امتصاص ضوء النجم بأطوال موجية مختلفة، وضع طيفاً لجو الكوكب. وهنا، اتضح سريعاً أن كمية الامتصاص تزداد بالأطوال الموجية القصيرة. بعبارة أخرى، السماء حمراء أكثر مما هي زرقاء عند مغيب النجم وطلوعه، ذلك أن المنطقة الحدية بين النهار والليل هي التي يتم سبرها خلال العبور. وهذا الامتصاص هو ما فسره " فريديريك بون " على أنه علامة على وجود ضباب، الذي ربما كان يعيق رؤية الصوديوم، الغائب عن الأطياف الملتقَطة، خلافاً لما كان قد لوحظ على " أوزيريس ".
أيقظت هذه النتائج فوراً فضول " ألن لوكافلييه ديزيتانغ "، الذي انغمس بدوره في الأطياف: " عندما شاهدتُ منحنى الامتصاص، فكرت حالاً بظاهرة الانتشار رايلي diffusion Rayleigh ". إنها ظاهرة فيزيائية تقليدية تحدث عندما يخترق ضوءٌ وسطاً يحوي عناصر " ناشرة " (غبار، ذرات، جزيئات...) أصغر من طوله الموجي. وهكذا، في جو الأرض، فإن ضوء الشمس الأزرق تنشره جزيئات الآزوت والأكسجين. ينتشر الأزرق في كل اتجاهات السماء، وهذا ما يفسر لونها الضارب إلى الزرقة. ولكن، ماذا يمكن أن تكون العناصر الناشرة على الكوكب HD189733b ؟ من الصعب حتى الآن تحديد ذلك بدقة. " مع افتراض أن الامتصاص الملاحظ ناجم عن ظاهرة انتشارٍ بجسيمات صغيرة، حسبتُ الحرارة ووجدت 1300 كلفن (نحو 1000 درجة)، أي تماماً الحرارة المتوقعة بالنسبة لجو هذا الكوكب مع التفريق بين الحرارة التي يتلقاها الكوكب والحرارة التي يطلقها "، يشرح " ألن لوكافلييه ديزيتانغ ". " وإذا كانت العناصر الناشرة غباراً معدنياً سيليكاتياً silicatée – غباراً لا بد أن يكون وفيراً وفقاً لما نعرفه حول تشكُّل هذه الكواكب – فإن العقدة ستحل تماماً، لأن هذه الأخيرة تتكثف بالحرارة المحسوبة. يمكن إذاً أن نستنتج بأن سماء الكوكب HD189733b هي زرقاء في النهار وحمراء عند المغيب ".
شموس خضراء في أماكن أخرى؟
تماماً كما على الأرض: في النهار، تكون الشمس عالية في السماء، ويعبر ضوؤها المركّب من ضوء أبيض ثخانةً ضئيلة إذاً من الجو قبل أن يصل إلينا. وبما أن الأزرق ينتشر أكثر من الأحمر، فإننا لا نرى سوى الأزرق. وعلى العكس، عند المغيب، حين تنخفض الشمس في الأفق، وبالتالي يجتاز ضوؤها كميةً أكبر من الجو قبل وصوله إلينا، يُمتص الأزرق ولا يبقى سوى الأحمر.
ماذا عن سماء " أوزيريس؟ ". رُصدت ظاهر الانتشار رايلي هنا أيضاً، ولكن بأطوال موجية أقصر، مما يشجع فرض
ية الانتشار بالهيدروجين. يبرهن طيف " أوزيريس " أيضاً عن وجود الصوديوم، وبما أن هذا العنصر يمتص الأصفر، فإنه يجب أن لا نرى لوناً أصفر... مع ذلك، تدل طبقة الامتصاص على أن الأحمر والأخضر هما الترددان الأكثر انتشاراً، وبما أن مزيج هذين اللونين يعطي لوناً أصفر، فإننا سنشهد كذلك مغيب شمسٍ مائلاً إلى الصفرة. إنها مفارقة واضحة بالنسبة لهذه السماء المنتمية إلى عالم آخر. شمس ذات احمرار على HB189733b وضاربة إلى الصفرة على " أوزيريس "...هل يعني ذاك أنه يمكن أن يستسلم عشاقٌ يعيشون في كوكب بعيد خارج مجموعتنا الشمسية لأحلام يقظة أمام مغيب شمس أخضر؟ يلزم من أجل ذلك أن يمتص جوُّ كوكبِهم اللونين الأحمر والأزرق بشكل خاص. هل هذا النوع من الجو موجود؟ ستأتي الإجابة في غضون بضع سنوات، من خلال Webb Space Telescope، المقرر له أن يسبر، بشكل أعمق، هذا الجوَّ، الذي لن نستنشق، نحن سكان الأرض، هواءه مطلقاً.
بعد 2013، التنبؤ بأجواء الكواكب الخارجية
إذا كانت عمليات الرصد التي ينجزها " هابل " تقدم لمحة أولية عن جو الكواكب خارج مجموعتنا الشمسية، فإن خلَفَه هو الذي سيشكل السلاحَ المطلق: الـ (JWST) James Webb Space Telescope، المقدر أن تطلقه وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) بعد عام 2013. ومع هذا المقراب البالغ قطره 6,5 م، الذي سيوضع على مسافة 1,5 مليون كم من الأرض، سيرصد علماء الفلك الأجواء البعيدة بدقة كافية لتمييز فروق بين أطيافها من عبور إلى آخر. سنرى حينذاك جو الكواكب الخارجية يتغير، كذلك لن يكون المغيب الشمسي هو نفسه من يوم إلى آخر. وكان المقراب " سبيتزر " قد أنجز عام 2007 أول خريطة حرارية للكوكب HD189733b. ومع الـ (JWST)، سندخل عصر الأرصاد الجوية للكواكب الخارجية.
حالات عبور
كانت حالات العبور في التاريخ، داخل مجموعتنا الشمسية، مصدر معلومات فلكية كثيرة. ففي عام 1761، خلال عبور كوكب الزهرة، تمكن العلامة الروسي " ميخائيل لومونوسوف " M. Lomonossov من أن يكشف انكسار الأشعة الشمسية عند حواف الكوكب، واستنتج من ذلك وجود جو على الزهرة. وأتاحت حالات العبور في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تحديد المسافات في المجموعة الشمسية. واليوم، حالات العبور هذه هي بشكل خاص مشاهد لعامة الناس. مع ذلك، وخلال عبور الزهرة، عام 2004، كشف علماءُ فلك أحاديَّ أكسيد كربون هذا الكوكب، وتلك وسيلة لمعايرة منحنيات كشف عناصر في أجواء الكواكب خارج مجموعتنا الشمسية. حالات عبور كوكب الزهرة أمام الشمس هي أندر عبر المشاهدة من الأرض، بالمقارنة مع الحالات المماثلة البعيدة عنا: تحدث مرتين في ثمان سنوات، ثم تختفي طوال أكثر من قرن. عبور الزهرة القادم سيتم عام 2012، ثم عام 2117 و2125....
المصدر : الباحثون العدد 36 - حزيران 2010