شاع في العناية الصحية مصطلح التطبيب عن بعد Telemedicine في أوائل التسعينات من القرن المنصرم، وأشارت التنبؤات آنذاك أن التطبيب عن بعد سينتشر في القرن 21 ويطغى على الرعاية الصحية التقليدية.
التطبيب عن بعد هو استخدام تقانات الاتصالات المتطورة لتبادل المعلومات الصحية وتقديم خدمات العناية الطبية عبر الحواجز الجغرافية والزمنية ولاجتماعية والثقافية.
يستخدم التطبيب عن بُعد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لنقل المعلومات الطبية اللازمة للتشخيص والعلاج والتوعية الصحية. وتضم تلك المعلومات الصور الطبية, والملفات الثنائية المباشرة للصوت والفيديو، والسجلات الطبية للمرضى, والبيانات الناتجة من الأدوات الطبية والملفات الصوتية ويشمل التفاعل بواسطة التطبيب عن بُعد زيارات مباشرة ثنائية الاتجاه بالصوت والصورة بين المرضى والأطباء الأخصائيين, بالإضافة إلى إرسال بيانات مراقبة المرضى من المنزل إلى العيادة أو نقل الملف الطبي للمريض من مقدم الرعاية الصحية الأولية إلى الأخصائي.
وعلى الرغم من اقتصاره في السابق على المناظرات (Demonstrations) باهظة التكاليف لتمديد الرعاية الطبية إلى المرضى في المناطق البعيدة, فقد تحول التطبيب عن بُعد سريعاً إلى أحد المكونات الأساسية في تقديم الرعاية الصحية الحديثة بغض النظر عن العوالم الجغرافية أو الحالة الاجتماعية أو الاقتصادية.
وقد شجع وجود نظام وطني للرعاية الصحية مع وجود العديد من المجتمعات النائية في العديد من بلدان العالم، على الاستثمار في أنظمة التطبيب عن بُعد لربط المستشفيات المركزية بالعيادات الأصغر في القرى النائية. وقد كانت البلدان الاسكندنافية, خاصة النرويج، واحدة من أولى المناطق التي وفرت خدمات التطبيب عن بُعد على نطاق واسع لمواطنيها القاطنين في المناطق النائية . وقد تم تطبيق مشاريع شاملة لاستخدام التطبيب عن بُعد في تقديم الرعاية الصحية في فرنسا, والمملكة المتحدة, واليابان, وأستراليا, وكندا. وتقوم العديد من البلدان الأخرى حالياً بإعداد برامجها الخاصة وبينها أكثر من دولة عربية. وقد أظهرت البلدان الأقل تطوراً حماسة ملحوظة لاستخدام تقنيات التطبيب عن بُعد في تحسين إمكان حصول مواطنيها على الرعاية الصحية الجيدة، لكن تلك البلدان كثيراً ما تفتقر إلى كل من البنية التحتية للاتصالات أو الموارد المالية اللازمة لتحقيق مثل هذا الاتصال.
أسباب استخدام الطب عن بعد :
1.حالة تحتاج إلى رأي ثاني.
.2 مرض غير شائع أو نادر.
.3مرض بآراء متضاربة.
.4مرض بمعالجة تجريبية.
.5مرض مهدد للحياة.
ينقسم الطب عن بعد من حيث النقل إلى نوعين :
1 نقل متزامن : حيث يكون الاتصال والتفاعل في الوقت الحقيقي بين الطبيب من جهة ومريضه من الجهة الأخرى.
2 النقل اللامتزامن : حيث أن المريض يقوم بنقل وتوصيل أو توفير المادة الطبية بواسطة الفيديو، الكمبيوتر أو أي وسيلة أخرى ويتلقى أو يحصل على الرد من الطبيب في وقت لاحق.
فوائد الطب عن بعد:
.1 تعدد وسائط الشرح قد تزيد من تحسين الرعاية الصحية.
.2 تقليل نفقات انتقال المريض إلى أماكن متخصصة بعيدة.
.3 التواصل بين المريض والطبيب بما يوفر أكبر قدر من الراحة للمريض.
.4 التقليل من متاعب سفر المريض إلى المدن الكبيرة والانتقال لمسافات بعيدة بما يضر بصحته.
.5 إمكانية تطوير مبادئ الرعاية الصحية بشكل أسرع فيعزز التعاون الطبي وتقاسم المعلومات والخبرات المتخصصة.
مجالات الاستفادة:
علم الأشعة البُعادي(Teleradiology):وقد ظل هذا التخصص قيد الاستخدام لمدة 30 سنة, وهو يشمل نقل الصور الطبية (الأشعة السينية, والتصوير بالرنين المغناطيسي, الخ..) إلى طبيب الأشعة الموجود في مكان بعيد بحيث يقوم بالتشخيص. وتعد أكثر تقنيات التطبيب عن بُعد انتشاراً في الولايات المتحدة.
مراقبة المرضى: تحل شاشات مراقبة المرضى عن بُعد محل أنظمة المراقبة المعتمدة على نظام (هولتر), والموجودة في المستشفيات, كما تسمح للمريض بإمكان البقاء في منزله مع توصيل بيانات المراقبة إلى الطبيب عبر خط الهاتف. ويتمثل الاستخدام الأكبر لهذه التقنية في مراقبة مرضى القلب, بالإضافة إلى الانتشار الواسع لتقنيات مراقبة نبض الجنين ومراقبة الوظائف الرئوية.
الرعاية الإصلاحية:
يتلقى المساجين في الولايات المتحدة رعاية صحية مضمونة. وعلى أي حال, فبسبب تكلفة نقل السجناء إلى العيادة الطبية, والمواقع النائية للعديد من مؤسسات الرعاية الإصلاحية, والخطر المحتمل بالنسبة للمدنيين نتيجة لنقل السجناء, يمثل التطبيب عن بُعد أحد التطبيقات الكبرى والمتنامية في مؤسسات الرعاية الإصلاحية.
موظفو الهيئات الحكومية:
تتحمل العديد من الوكالات الاتحادية مسؤولية الرعاية الصحية لأعداد كبيرة من موظفيها، وقد انخرطت تلك الهيئات بشدة في استخدام تقنيات التطبيب عن بُعد لتقديم الرعاية. وفي الولايات المتحدة - على سبيل المثال - تشمل هذه الهيئات وزارة الدفاع الأمريكية, وإدارة المحاربين القدماء, ووكالة الطيران وأبحاث الفضاء (NASA). وقد خصصت وزارة الدفاع واحداً من أكبر الاستثمارات في العالم في مجال أبحاث وتطوير التطبيب عن بُعد, ويتمثل الهدف الأساسي لذلك في توفير الرعاية الطبية للجنود على الخطوط الأمامية للمعركة. وقد أنفقت إدارة المحاربين القدماء العديد من الاستثمارات في مجال التطبيب عن بُعد من خلال شبكتها الوطنية من المستشفيات والمؤسسات الصحية. ومنذ انطلاق برنامجها لغزو الفضاء, أصبحت وكالة NASA جهة رائدة في تطوير استخدام التطبيب عن بُعد في المواقع البعيدة للغاية.
الجراحة عن بعد :
تعد الجراحة عن بعد حقلا هاماً من حقول الرعاية الصحية عن بعد، وغالباً ما تشاهد عبر التلفاز، وتوجد حالياً أربعة حقول تستخدم فيها الجراحة عن بعد عموماً، وهي :
- القيام بالجراحة عن بعد.
- الإنسان الآلي.
- النصح عن بعد.
- التدريب الجراحي والتعليم.
وتعتمد هذه الجراحة على استخدام جذور ذات أذرع ميكانيكية، وقد توسع استخدام هذا المبدأ الذي يرتبط حالياً بتقانات الحاسوب، وأصبح الجراحون قادرين الآن على إجراء العمليات الجراحية للمرضى عن بعد.
أهم النماذج التي تم تطويرها في مجال الـ Telemedicine :
Life-Guard
تم تطويره من قبل NASA، وهو نظام محمول وخفيف الوزن يؤمن المراقبة بالزمن الحقيقي لعدة بارامترات حيوية في جسم الإنسان كعدد نبضات القلب وإشارة القلب ECG وضغط الدم ومعدل التنفس ودرجة حرارة جسم الإنسان. إن الحساسات التي تلتقط الإشارات الحيوية السابقة تتصل مع النظام بواسطة أسلاك، ليتم بعد ذلك إرسال بيانات هذه الإشارات إلى محطة مراقبة حيث يقوم الأطباء بمراقبة الإشارات الحيوية الواصلة إلى هذه المحطة.
. Vitaphone 2300 (Cardio Phone)
هو نظام مبتكر تم تطويره من قبل Vitaphone الألمانية، يؤمن هذا النظام التقاط إشارة القلب بواسطة ثلاثة إلكترودات موجودة على الوجه الخلفي لجهاز الموبايل، ويتم لصقها بشكل مباشر على صدر المريض. يتم إرسال إشارة القلب إلى محطة مراقبة خاصة، حيث تتم مراقبتها وتحديد موقع المريض بواسطة نظام الـ GPS بهدف تأمين سهولة الوصول إلى المريض عند تعرضه لأزمة قلبية.
Life-Shirt
تم تطويره من قبل Vivo Metrics Inc، وتم اختباره من قبل القوات الجوية الأمريكية بهدف مراقبة العديد من البارامترات الحيوية الخاصة بالعاملين في الجيش الأمريكي مع إمكانية تحديد مواقعهم بواسطة نظام الـ GPS.
إن الـ Life-Shirt خفيف الوزن وقابل للغسل، ويستخدم حساسات مدمجة embedded sensors تلتقط وباستمرار أكثر من 30 إشارة كالإشارات الخاصة بجهاز التنفس ووظائف القلب وغيرها من الإشارات الحيوية الهامة.
V-TAM
تم تطويره من قبل TAM-Télésanté، وهو عبارة عن قميص مخصص للعمل ضمن مجال الـ Telemedicine. يحتوي على عدة مصفوفات من الحساسات الخاصة بالتقاط العديد من البارامترات الحيوية كعدد نبضات القلب ومعدل التنفس وحرارة الجلد ويقوم بتخزينها وإرسالها إلى الطبيب الذي يملك القدرة على التحدث مع المريض عند الضرورة بواسطة نظام ميكروفون – مكبر صوتي microphone-loudspeaker مدمج مع القميص. وفي الحالات الطارئة يمكن بسهولة الوصول إلى المريض بواسطة نظام الـ GPS المدمج أيضاً مع القميص.
يستخدم هذا النظام بشكل أساسي مع كبار السن، حيث يؤمن لهم القدرة على مغادرة المشفى والعودة إلى المنزل مع ضمان استمرار المراقبة الصحية لهم ضمن المنزل.
من أكثر المستفيدين من هذا النظام هم أصحاب العلل القلبية أو الذين يعانون من أعراض التوهان الزماني المكاني temporal-spatial disorientation كالذين يعانون من مرض الزهايمر Alzheimer's، كما يمكن أن يستفاد منه في مراقبة عدد نبضات القلب عند الرياضيين، كما يمكن أن يستفيد منه أصحاب الأعمال الخطرة كرجال الإطفاء والجنود في ساحات المعارك.
تم تطويره من قبل Medical Intelligence، وهو عبارة عن نظام إنذار قلبي محمول يتنبأ بشكل أوتوماتيكي بحدوث نوبات قلبية قبل 8 دقائق من حدوثها. يتصل هذا النظام مع هاتف محمول cell phone مزود بنظام الـ GPS ويقوم بإبلاغ الإسعاف بوجود مريض سيتعرّض لأزمة قلبية، كما يبلغ الإسعاف بمكان وجود هذا المريض
لحاجة بواسطة ميكروفون خاص.
المشاريع التي نُفذت في هذا المجال
- مشروع:Living Health
مشروع Living Health مشروع استرشادي يرمي إلى تمكين المرضى من الحصول على استشارة حية وجهاً لوجه مع ممرضة تابعة لأحد مراكز NHS عبر بث تلفزيوني تفاعلي. وقد كان الغرض من هذا المشروع الاسترشادي تقليل عدد الزيارات للمستشفيات وعيادات الأطباء، وذلك بطمأنة المرضى الذين لا يحتاجون إلى معالجة طبية أو يمكن معالجة حالاتهم الطبية في المنزل أو من قبل صيدلاني. في إطار هذا المشروع يتحدث المرضى مع الممرضة عبر الهاتف وهم يشاهدونها على التلفزيون. وبهذه الطريقة يستطيع المريض وصف أعراض مرضه، بينما تقوم الممرضة بعرض مقاطع فيديو أو مخططات على التلفزيون، وإعطاء مشورة طبية.
وما زالت نتائج هذا المشروع قيد التقييم.
مشروع :e-Mum
مشروع e-Mum هو مشروع استرشادي يرمي إلى مساعدة الأمهات الصغيرات في السن بتزويدهن بمعلومات فعالة عن الحمل وهن في منازلهن.
طوّر هذا المشروع مركز أكسفورد لأبحاث رعاية الطفولة والأمومة وللمراقبة عن بعد
وهو يمكِّن المهنيين الصحيين من أن يراقبوا عن بعد الحالة الصحية للأم الحامل ولطفلها الذي لم يولد بعد.
وأخيراً برغم أن التطبيب عن بُعد لايزال تقنية حديثة, فإنه يتغير بصورة متسارعة. وبالاستفادة من التطورات الحديثة في مجال الاتصالات, وانخفاض تكاليف تطبيق التقنيات الحديثة, وظهور شبكة الإنترنت, قد يكون لنمو الطب عن بُعد خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة, تأثيرات عميقة وثورية على تقديم الرعاية الطبية في جميع أنحاء العالم. ويتم حالياً دمج أنظمة الطب عن بعد المحلية في شبكات أوسع، مما يزيد من حجم انتشارها وتأثيرها.
م.مهران زهير المصري
المصدر : الباحثون العدد 38 آب 2010